الموضوع: صاحبة الشجرة
عرض مشاركة واحدة
قديم 06-12-2009, 04:13 PM   #1 (permalink)

ahmwed

عضو جديد
 




 
ahmwed على طريق التميز

افتراضي



( صاحبة والشــــجرة )

قصة قصيرة



كتبها : أحمد كمال

وقفت خلف النافذة تنظر من داخل حجرتها في البيت الكبير على قمة الجبل ، عاصفة شديدة ، ثلوج كثيفة ، رعد وبرق ترتعد منه الفرائص ، وإذا بالكهرباء تنقطع ، والظلام الدامس يدرك كل من في البيت ، بياض الثلج هو الشيء الوحيد الذي يرى في هذا الليل الصعب !!



وإذا بصوت طفلة صغيرة يلين قسوة الليل الصعب تنادي مرتجفة خائفة :



- ألن نهبط إلى أبي يا عمة ؟



فإلتفتت العمة نحو الصوت وهي لا ترى شيئاً قائلة



- بلى يا حبيبتي ، هيا ، هيا تقدمي نحوي بحرص



ويطلقان يديهما في الهواء بحثاً عن بعضهما البعض ، وإذا بأطراف أصابع يد الطفلة الصغيرة تلامس أطراف أصابع يد العمة الشابة ، وبسرعة تلامس بكفيها وجهها ، تصيح الطفلة خوفاً ، فتجثوا العمة على ركبتيها وتضم إلطفلة إلى صدرها بحنو بالغ ، ثم تهب واقفة وهي تطمئنها وتحملها على ذراعيها ، وتسير في ظلام دامس ، بخطاً حريصة ، تتلمس بكامل أحاسيسها الطريق !! وتتحسس براحة قدميها الإتجاه الذي به تسير ، حتى ظهر من بعيد ، ضوء شاحب مريض ، أسرعت نحو الضوء ، وهبطت الدرج بسرعة ، حتى إلتئمت مع أسرتها حول المصباح الصغير ، وإرتمت الطفلة في أحضان أمها ونست عمتها !!



كانوا من البرد يرتعدون ، وهي تلقي السلام بشفاة مرتجفة ، وتجلس على الأريكة ، وعينيها تبحث عن شيء يدفئها من برد شديد ، ردوا عليها التحية ، وهم يرتعدون من البرد ، وكل يفكر كيف نتدفأ في هذا الليل الطويل ، والطريق المقطوع ، حتى ينبلج الصباح بنور الشمس الدافئة ، وإذا بشقيقها يصيح :



- لماذا لا نحتطب من الحديقة ؟



فيرد الآخر :



- الحديقة كلها أشجار مثمرة !



ويتدخل الشقيق الأصغر قائلاً



- ويبدوا إنك نسيت أن هذا الشجر قد زرعه والدك بأسمائنا



فتداعبه شقيقته الوحيدة قائلة :



- ربما نويت أن تتخلى عن بخلك وتقطع شجرتك لتدفئنا بخشبها !!



فيضحك الجميع وإذا بالشقيق الأكبر يقول بجدية :



- ولماذا لا نقطع شجرتك أنت !!



فيسود صمت مطبق ، حتى تتحمس له زوجته قائلة :



- ولما لا ، إنها شجرة يابسة !!



وكأن الفكرة قد غزت رؤوس الجميع عدا الشقيقة صاحبة الشجرة ، فوقفت ومن خلفها ظل عظيم وهي تصيح معترضة :



- هذه شجرتي ولن يقطعها أحد !!



فترد زوجة الشقيق الأوسط مدافعة :



- ولكن الأطفال سيتجمدون من البرد ، ألا تنظرين ؟ !



فتنهرها صاحبة الشجرة بظلها العظيم :



- إن لآباهم أشجاراً يمكن أن يقطعوها ، ولكن ليس شجرتي !!



فتعنفها زوجة الشقيق الأصغر قائلة :



- لو كان لك أطفالاً لأدركتي ما نقول !!



وهنا هوت صاحبة الشجرة على الأريكة ومن خلفها ظلها العظيم ، ويسرع الأشقاء الثلاثة مع المصباح الصغير ، يحملون الفؤوس ليقطعون شجرة شقيقتهم اليابسة ، وهي تستدعي صوتها من أعماق جرح كبير ، وتغزو الدموع مقلتيها ، ليزيد عليها مشقة الكلام ، ولكنها بصوت مبحوح تصيح :



- لقد يبست الشجرة لأن أحداً لا يسقيها ، ربما في هذا الربيع تجيد !!



فينظرن لها زوجات أشقائها الثلاثة ، والسخرية بادية على وجوههن وتقول إحداهن :



- لقد يبست الشجرة ، ألا تدركين ؟!



وتستجمع صاحبة الشجرة قواها ، وتقف على قدميها ، وتطلق ساقيها للريح وهي تصيح :



- لا تقطعوا شجرتي ، إنها يابسة ولكن الحياة لا تزال فيها ، إنها تخضر في الربيع ، وتفوح منها رائحة أحبها ، وتتقافز العصافير عليها مع مطلع كل يوم جديد .



حتى وقفت أمام شجرتها ، ورأتهم يضربون ساقها العتيد ، والثلج يغطي كل شيء حتى كسى وجهها ، وهي بيديها تسقطه ، وتقول مستعطفة :



- لا تقطعوا شجرتي ، إني أستظل بها من حرارة الصيف ، وأكتب تحتها قصائدي وقصصي ، وأحكي لها كل أسراري ، وهي تحكي لي !!



وما أن بدأت الشجرة تتهاوى ، حتى أبت ساقيها أن يحملنها ، ودارت الدنيا من حولها ، وهوت بجسدها على كومة من الثلج الكثيف مغشياً عليها ، فأسرع أشقائها لنجدتها ، وحملوها إلى البيت حتى تستريح .



وبينما الأسرة حول النار تصطليها ، وأصبح البيت دافئاً ، أفاقت صاحبة الشجرة ، ونظرت بحسرة إلى حطب شجرتها ، فإرتسمت على شفتيها إبتسامة شاحبة ، وهي تستدعي أنفاسها الذاهبة قائلة :



- وداعاً يا شجرتي ، وداعاً كما ودعتني !!



ثم أطبقت جفنيها .......... وذهبت !!!



إنتهى






http://ahmedkms.blogspot.com/ للمزيد إضغط هنا

Ahmedkms@- تم حذف البريد -للمراسلة





ahmwed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس