عرض مشاركة واحدة
قديم 02-08-2010, 09:42 AM   #67 (permalink)

gogo.queen

عضو ملهوش حل !
 




 
gogo.queen على طريق التميز

افتراضي


الحلقه السابعة عشر والأخيره*



قالت ساره :



لن أنسى تلك اللحظه التي أخبرني فيها عمر بعدم اختيار الشركه لتصميمه .. وقتها تماسكت ولم أنفجر في البكاء كما كنت أتمنى .. واجتهدت أن أخرج صوتي طبيعي وأنا أكمل إجابته : وما اختاروش مشروعك مش كده ؟ طيب وفيها إيه ؟ ما هو الاحتمال ده كنا متوقعينه برضه ؟ إيه المشكله ؟

فرد على عمر وكأنه كهل عجوز يحمل الدنيا فوق كتفيه : إيه المشكله ؟ إيه البساطه دي ؟ المشكله أننا خسرنا كل حاجه .. إنتي خسرتي كل ذهبك وأنا خسرت ثقتي في نفسي وشكلي أمام الكل وخسرتك معايا كل حاجه .

فرددت بمرح : الكل مين يا حبيبي ؟ أنا بس اللي عارفه الموضوع ده .. وبعدين تفتكر شكلك حايتهز قدامي من محاوله خسرتها ؟.. ده إنت الدنيا وما فيها يا حبيبي وفداك دهب العلم كله .

فلم يستطع النظر إلى عيني وأشاح وجهه عني كي لا أرى دموع عينيه : أرجوكي يا ساره إنتي بتزودي إحساسي بالذنب بكلامك ده .. أنا خذلتك وضيعت كل حاجه .. وربنا يقدرني وأعوضك .. أنا آسف آسف آسف .

فأخذت أقرأ آيات القرآن على جبينه كي يهدأ .. وأنا أطلب من الله القوه والعون كي لا أنهار مثله ، من يقول على المرأه أنها أضعف من الرجل ؟.. إنها مطلوب منها أن تكون زوجته وحبيبته وأخته وصديقته وأمه أيضاً .. فهداني الله لفكره ممكن أن تهدئه قليلاً فقلت له : يا ريت كل الخساره تكون في الفلوس تخيل لو أنك حصل لك حاجه حانعمل إيه أنا وابنك في الدنيا ؟ ربنا يخليك لنا ألف سنه .. أنت لسه بكامل صحتك وفي عز شبابك وتستطيع فعل المعجزات تخيل لو فقدت هذه الصحه وكسبت المشروع ؟ أيهم سيسعدك أكثر ؟

فهدأ قليلاً لكلامي ولكنه رد بألم وقال لي : أنا آسف يا ساره .. ولكنك لا تعرفين إحساس الرجل عندما يشعر أنه صغير في عين من يحب .. كان نفسي أفرحك والله .

فرددت بمكر وبحزن مفتعل : طيب يا عمر أنا ما كنتش عاوزه أقول لك بس خلاص بقى .. الحقيقه الدكتور قال لي أن البيبي ممكن تكون فيه تشوهات .

نسي كل شيء وصرخ بلهفه : إيه بتقولي إيه ؟؟ لا اله الا الله .

فضحكت لنجاح خطتي وقلت له : ضحكت عليك .. الولد كويس وزي العفريت ومطلع عيني يا سيدي .. شفت بقي إن المشروع ممكن يتعوض وفيه حاجات تانيه لا يمكن تتعوض ؟

فرد بإيمان : الحمد لله .. فعلاً الشيطان ينسينا النعم الكثيره التي ننعم بها ويذكرنا فقط بما فقدنا .. ربنا يخليكي ليا إنتي ويحيى .

تساءلتُ باستغراب : مين يحيى ده يا باشا ؟

قـال : إيه رأيك في الاسم ده ؟ ده الاسم الوحيد من كل أسماء الكون اللي ربنا عز وجل اختاره بنفسه لنبيه زكريا .. لم نجعل له من قبل سميا .. وبقيه الأسماء من اختيار البشر .. وبعدين قصه سيدنا يحيى تكشف شخصيه نورانيه تعشقيها من كثره صفائها .. لدرجه أن كل المخلوفات كانت تسبح معه عندما يسبح الله .. وكمان مات شهيداً .. إيه رأيك يا حبيبتي ؟

قلت بابتسامه : خلاص موافقه يا أبو يحيي .

**********************

استيقظتُ من نومي وأنا أعاني من ألام متفرقه في كل جسدي .. تقريباً لم أنم طوال الليل .. ظللت أتقلب ولم أستطع النوم الا لدقائق معدوده كما هو حالي من عده أيام وأبكي في كل حركه من ثقل جسدي حتى إني كل يوم أتمنى أن ألد في نفس اليوم لأتخلص من هذا العذاب ، سبحان الله وكأن التعب يزداد في الأيام الأخيره كي تتغلب الأم على خوفها من الولاده وتتمناها أن تحدث .. آه أكاد أموت من الرعب عندما أتخيل هذه الساعات وأقرأ دوماً سوره الزلزله وبعض آيات سور الرعد وفاطر التي تساعد على تيسير الولاده كما قالوا لي ، ولا ترحمني أي واحده من قريباتي عندما أخبرها بخوفي من الولاده بل تقص على قصص مرعبه عن أنها كادت تموت والأخرى التي تمزقت من الألم لساعات طويله .. والثالثه التي كادت تقتل الطبيب والممرضات ، إيه يا جماعه الرعب ده ؟ طيب أعمل إيه يعني أفضل حامل على طول ولا أعمل إيه ؟ إيه ده عمر بيصرخ كده ليه ؟

ساره ساره ساره .. تعالي بسرعه .

هرولت إليه ولكن بسرعه السلحفاه طبعاً وأنا اهتف : مالك يا عمر خير ؟

عمـر : أنا مش مصدق نفسي يا ساره بجد مش مصدق .

أنـا : إيه يا عمر فيه إيه .. أنا ولدت وأنا مش واخده بالي ؟

فأجاب وقلبه يكاد يتوقف من الفرحه : لا .. فاكره الشركه اللي صممت لها المشروع ؟ ولم يختاروه ؟

فرددت بتململ وأنا أخشى من فتح هذا الموضوع : مالها ؟ عاوزين إيه تاني ؟

عمـر : اتصلوا بي وقالوا إن فيه مقابله النهارده الساعه 6 مساء لأصحاب التصميمات المتميزه اللي ما فازتش لاختيار مهندسين للتعيين في الشركه بمرتب كبير .

نسيت تعبي وإرهاقي وهتفت : بجد ؟ الحمد لله .. ودي فيها مميزات أحسن من شركتك ؟

عمـر : إنتي بتهرّجي ؟.. مافيش مقارنه طبعاً .. دي ضعف الراتب وأكثر .. وكمان بالدولار .. والأهم من كده إن نظام الترقيه فيها زي كل الشركات متعددة الجنسيات بالمجهود مش بالأقدميه زي عندنا .. يعني ممكن في خلال شهور أكون مدير تنفيذي مثلاً .. بجد مش مصدق نفسي .. ادعي لي يا وش الخير .

أنـا : ربنا يكرمك ويوفقك .. إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا .. إن شاء الله حيختاروك .. ده رزق يحيى مش وشي أنا .. يالاّ قوم صلي ركعتين قضاء حاجه لله قبل ما تروح واتكل على الله .. ربنا وكيلك ومش حايضيعك أبداً .

وانصرف ليصلي ويستعد للخروج وأنا أدعو الله له .. وفجأه شعرت بضربه ألم حاده تشمل جسدي كله وتتركز في منطقه الرحم وكاد توازني أن يختل من شده الألم المفاجئ واستمر دقائق مرت عليا كساعات ثم اختفى تدريجياً وأنا لا أكاد أستطيع التنفس من شده الألم حتى بعد ذهابه ، وحاولت تناسيه بأن ذهبت لأصلي خلف عمر جماعه كي ندعو الله سوياً أن يكرمنا ويكتب لنا الخير .. وأطال عمر الدعاء بعد الركوع وأنا أؤمن على دعاؤه بكل ذره في كياني .. ثم سجدنا .. وجاء الألم العاصف مره أخرى وأنا ساجده ، يا الله جسدي يتمزق ولا أقوى حتى على رفع رأسي .. وكتمت صرخة ألم كادت تفلت مني ودعوت الله وأنا أبكي وأشعر أني ضئيله ولا أقوى على شيء أمام جند صغير من جنود الجبار ألا وهو الألم ، ولا أعرف كيف نطقت التشهد الأخير ولكن الألم بدأ في الاختفاء عند نهاية الصلاه .. واستدار عمر إلي وفزع من شحوب وجهي الرهيب والعرق المتناثر على وجهي وسألني بجزع : مالك يا حبيبتي ؟ إنتي تعبانه ؟ بتولدي ولا إيه ؟

لم أشأ أن أخبره كي لا يضيع فرصه عمره ويبقي بجواري : لا يا عمر ده السجود بس بيتعبني أوي .. بعد كده حاصلي وأنا قاعده .. يالا قوم استعد واتكل على الله .

قال عمر بإصرار : أرجوكي يا ساره لو تعبانه قولي وأنا أسيب مواعيد الدنيا علشانك .

حاولت الابتسام وأنا أرد عليه : يالا بلاش دلع .. لسه أسبوع كامل على ميعاد الولاده أنا كويسه خالص وحادخل أنام كمان .

فصدقني وانصرف وأنا أدعو له .. وما كاد يغلق الباب وراءه حتى عاد الوحش ثانيةً و انهمرت دموعي وكدت أتخلي عن شجاعتي المؤقته وأناديه كي لا يتركني وحيده وهذا الألم يفتت كل ذره في جسدي وكتمت أنفاسي في وساده وصرخت بكل قوتي من شده الألم ، انتظرت حتى اختفى وكلمت أمي وأنا أبكي وقبل أن أشرح لها أي شيء فهمت أني ألد وأخبرتني أنها ستأتي على الفور مع أبي وطلبت مني أن أبدل ملابسي وأحضر حقيبة المولود وأستعد للذهاب إلى المستشفي أول ما يوصلوا ، وجريت قبل أن يأتي الإعصار مره أخرى وبدلت ملابسي وكنت جهزت حقيبة يحيى من قبل ولم أنس الآيس كاب واللوشن ، آه لا أستطيع حتى الابتسام .. أين أنت يا عمر كي أحتمي بك من الزلزال الذي يأتيني بلا رحمه ؟



قال عمر :



أين أنتي يا ساره ؟.. ياليتك كنتي معي ، دقائق الانتظار قاتله والجميع يبدو على وجوههم علامات القلق الشديد ولكن العدد ليس كبير .. يا رب يا رب يا رب .



قالت ساره :



وأخيييييراً وصل ماما وبابا وأنا تكاد روحي تخرج من حلقي من شده الألم الذي يزداد عنفاً كل مره وتتقارب نوباته حتى تكاد تلتحم .. وما أن رآني أبي في هذه الحاله حتى أجهش في البكاء وضمني إليه وكأنه يهدهد طفلته الصغيره التي ستصبح أماً .. أما ماما فكانت متماسكه جداً وكأنها تحولت فجأه إلى طبيبه نساء وهي تسألني عن مده الألم وتباعد نوباته وعندما أخبرتها .. قالت لي بهدوء : لسه بدري أقعدوا وأنا أعمل لكم شاي .. أصل البكريّه بتطول شويه .

فكدت أصرخ ولكن بابا سبقني وصرخ فيها هو : يالا على المستشفى بسرعه يمكن يدوها مسكن ولا يريحوها بأي شكل .

فردت أمي بسخريه : مسكن ؟.. ليه ؟ حاتعمل اللوز ؟.. أصل الولاده دي .....

ولم يمهلها أبي عندما رأي نوبة الألم تجيئني بلا رحمه حتى لم أستطع الوقوف على قدمي فحملني كالطفله الصغيره وهرع خارج المنزل وأمي لا تكاد تلاحقه .



قال عمر :



يا رب ما هذا الإحساس ؟ الله يكون في عونك يا ساره .. أنا أشعر وكأن مستقبلي كله سيولد من هذا المكان كما ستلد هي ابننا .. آه ما أصعبه من شعور ، يا الله يا مغيث .



قالت ساره :



يا الله يا مغيث .. يا رب أغثني من هذا العذاب ، علمت الآن لم تمنت السيده مريم الموت قبلاً عندما جاءتها آلام الولاده وهي خير نساء العالمين .. ماذا سأفعل أنا ؟ ألا يوجد سبيل أن يخفت الألم قليلاً ؟ قلبي يكاد يتوقف .



قال عمر :



قلبي يكاد يتوقف من القلق عند كل سؤال يسأله لي المدير الأجنبي وأتمتم بآيات القرآن وكل الأدعيه التي أعرفها ، يا رب يا رب .



قالت ساره :



يا رب يا رب .. أنا خلاص مش عاوزه أولد رجعت في كلامي .. لأ حرام حاموت بجد مش قادره .. طيب حاولد إمتى ؟ ولا مجيب ، الدكتوره فحصتني وقالت باقي حوالي ساعتين ، إيه ؟ ساعتين كاملتين في هذا العذاب ؟ الدقيقه تساوي دهر كامل ، يا رب مش قادره خلاص .



قال عمر :



يااااه مش قادر خلاص على هذا الانتظار المدمر للأعصاب .. المدير يتفحص السيره الذاتيه الخاصه بي بدقه بعد عشرات الأسئله الدقيقه .. ثم ابتسم أخيراً وأخبرني أن أكون مستعداً للعمل معهم الأسبوع المقبل .... يا الله ، يكاد نبضي يتوقف من شدة الفرح .. اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وطلبت ساره لأبشرها وأشركها سعادتي ، ردت على والدتها وأخبرتني بأن ساره بتولد في المستشفى ، يعني كانت تعبانه فعلاً قبل ما أنزل وما رضيتش تقولّي علشان ما أضيعش مقابله العمل .. وتحملت كل هذا العذاب وحدها من أجلي ؟ يا رب كيف أكافيء هذا الملاك ؟ أخيراً وصلت المستشفى بعد ما كسرت عشر إشارات واتخانقت مع كل الدنيا علشان يفتحوا لي الطريق وأكاد أصرخ في وسط الشارع : مراتي بتولد يااااااااااااعالم ، ووصلت لها لأجدها تحولت إلى كتله ألم .. والعرق الغزير يغطي جبينها والمحاليل تخترق كل جسدها وأبوها يبكي ويتلو القرآن وأمها تروح وتذهب مع الطبيبه وتأتي لها بأغراضها .. فلم أتمالك نفسي عندما رأيتها وقبلت يديها أمام الجميع وبكينا سوياً .. وهمست في أذنها بأني عينت في الشركه الجديده فحمدت الله في وهن ، وجاءت الطبيبه تخبرنا أنها ستنقلها إلى غرفه العمليات فطلبت أن أكون معها ، ودخلنا وهي تصرخ من الألم العاصف وأنا أشد على يديها وأهمس في أذنها بكلمات الصبر والتشجيع وأذكرها بكل لحظاتنا الجميله التي تشاركناها .. وهي لا تكاد تعي ما أقول ولكنها تقبض على يدي بكل قوه وكأنها تخشي أن أتركها ثانيةً .. وتمر الدقائق طويله وأنا وهي نكاد نصبح كياناً واحداً صهره الألم بين يدي الرحمن نسأله أن يرزقنا قطعه منا ، ويمر الوقت ثقيلاً حتى جاءت البشرى ، صوت بكاء ابننا يشق الكون وكأنه يعلن للعالم وجوده ، أخذته الطبيبه ولفّته بعنايه ووضعته في أحضان ساره وأحضاني وأخذنا ننظـر إليه بحنان بالغ وقد زال كل ألم ساره عندما رأته ، أخذنا نتلمسه غير مصدقين أن رحمه الله وعطاءه تتجسد في هذا الكائن مغمض العينين جميل الوجه كأنه أحد الملائكه ، وحملته بحرص وتلوت كلمات الآذان والقرآن في أذنيه حتى استكان بين يدي وكأنه يعي نداء خالقه ، وأخذته ساره وسالت دموعها وهي تتلمس قطعه منها نما بجوار قلبها وقالت بصوت واهن ولكن سعيد : حلو أوي مش كده يا عمر ؟

فرد الأب بداخلي لأول مره : تبارك الله أحسن الخالقين ، أجمل كائن في الدنيا رأته عيني ، ربنا يخليكوا ليا إنتي وهو يا أم يحيى يا أغلى إنسانه ليّا في الوجود .





********************



الى اللقاء مع يوميات بابا عمر وماما ساره



تقبلوا تحياتي






gogo.queen غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس