بفضل أسلوب وفن دفاعي مميزين, تمكن المنتخب الإيطالي من الفوز بكأس العالم لكرة القدم التي جرت في ألمانيا الصيف الفائت, فلم تهتز شباك البطل طوال البطولة سوى مرتين, إحداها من ضربة جزاء نفذها الفرنسي المعتزل زيدان في النهائي, ومرة أخرى, عمليا سبقت الأولى, عن طريق الخطأ, وتلك المحصلة المميزة جاءت بفضل أداء دفاعي منظم, واجه به الإيطاليون خصومهم, دون إغفال أنه كان لأبطال العالم خط هجوم جيد ذي فعالية.



وإذا نظرنا لأطراف نهائي دوري أبطال أوروبا الأخير, أرسنال وبرشلونة, نرى أن الأول فاز بعشر مباريات متتالية دون أن تهتز شباكه, وهذا رقم قياسي, بينما الفائز بتلك المسابقة, برشلونة, وبأسلوب أنيق, تمكن من دك خصومه بـ24 إصابة, بينما استقبلت شباكه 5 إصابات فقط, وعلق المدير الفني لليفربول الإنكليزي, رافا بنيتز, بعد مشاهدته نهائي الأبطال الأوروبي في باريس: "إنه دليل كبير على انتهاج الأسلوب الدفاعي, في أعلى مستوى كروي".



وتميز موسم 2005-2006 من البطولة المذكورة بتسجيل أدنى معدل من الإصابات في السنوات العشر الأخيرة.



ومن الناحية البنائية للفرق في المسابقات الأوروبية, كان واضحا تغطية العقم الهجومي بالإفراط في أداء دفاعي تكتيكي متوازن وجيد ذي نوعية عالية, إذ لجأ أفضل 16 فريق في دوري الأبطال الأخير, إلى انتهاج أسلوب دفاع منطقة مؤلف من 4 لاعبين, على غرار ما فعله 14 منتخب من 16 تأهلوا إلى دور الـ16 في نهائيات كأس العالم.



ولجأت في كأس العالم الأخيرة, تسع من أفضل المنتخبات, إلى الاعتماد على لاعبين في منطقة الوسط الخلفية يلعبان بجوار بعضهما, بينما في دوري أبطال أوروبا الأخير, اعتمدت أفضل تسع فرق, بينها طرفي النهائي, على لاعب واحد في منطقة الوسط الخلفية, وشكل معظم هؤلاء اللاعبين نقطة الارتكاز لبناء هجمات الفريق في نفس الوقت.



ويعتبر المدير الفني لنادي مانشستر الإنكليزي, السير أليكس فيرغوسون, على أن القاعدة الدفاعية المتينة في كرة القدم هي أساس في تنظيم الفرق, لكن يجب ألا ننسى, في المطلق, أن فلسفة أي فريق تُبنى على المميزات الخاصة التي يمتلكها والتي تتوفر في لاعبيه, علما أن في البطولات الأوروبية الموسم الماضي, اعتمدت معظم الفرق على حاجز دفاعي ضاغط, وعن ذلك يقول مدرب ليون جيرار هوييه: "الهدف هو جلب الخصم إلى منطقة الحاجز الدفاعي, ثم اللجوء إلى الضغط على الكرة بقوة".



وإذا ما تمعّنا في اختيار أبرز اللاعبين المؤثرين في فرقهم, في أهم وأرفع بطولات كرة قدم حصلت هذه السنة, كبطولة العالم ودوري الأبطال الأوروبي, نرى أن الحارس الإيطالي في المونديال جيانلويجي بوفون, والليبرو فابيو كانافارو, وحارس الأرسنال الألماني ينس ليمان, ولاعب الوسط المدافع لبرشلونة كارليس بويول, كانوا من أبرز النجوم, وخطفوا الأضواء من السحرة الكرويين الذين يلعبون في الخطوط الأمامية.



وهذا يظهر لنا جليا أن قائدوا الخطوط الدفاعية, وزملائهم في الخطوط الخلفية, هم الأساس في نجاح الفرق ووصولها لأعلى المستويات.



كما وكنتيجة لمتابعة الفرق الناجحة, نرى أن الدفاع القوي والمنظم تكتيكيا, يفتح المجالات ويقدم الحلول لخطوط الهجوم والعكس صحيح, ومن أبرز الأمثلة على ذلك ليس بعيدا, بل في الأمس القريب, عندما أسقط القدير الألماني, اوتو ريهاغل, بأسلحة عادية, كل عمالقة أوروبا وقدم لليونان لقب بطولة أوروبا 2004 في وقت لم يكن يجرؤ أي من لاعبيها حتى على الحلم بالكأس, وكل ذلك أتى بفضل أداء دفاعي أكثر من منظم, وليس بسبب الحظ كما يعتقد البعض.



طبعا حديثنا عن اليونان, لا يجب أن يجعلنا نأخذها كقدوة وإنما كمثل وعبرة, فدفاع اليونان كان مبالغ فيه, ويُفهم متى عرفنا نوعية الفرق التي تواجه وقدرات لاعبيها, لكن في نفس الوقت نستطيع أن نرى جيدا الفرق الكبرى, وفي مقدمتهم إيطاليا كيف يلجؤون إلى الخطط الدفاعية لبناء الهجمات, بأسلوب غير "تقوقعي" أي ليس تكتل في الخلف وتشتيت, بل تنظيم خطوط متتابعة, لقطع الكرات والصعود بهجمات تتناقل فيها الكرة بسلاسة وسرعة من الخلف إلى الأمام وبفعالية.



إذا القاعدة هي الأساس, على الأقل هذا ما أظهرته البطولات مؤخرا,ولو على حساب المتعة, ومقولة الهجوم خير وسيلة للدفاع آيلة للسقوط في العصر الكروي الحديث, حتى إشعار آخر, ولكل زمن حساباته.