كلمة لابد منها

بسم الله الرحمن الرحيم

شيء من الأدوية والأغذية المفردة

 

شيء من الأدوية والأغذية المفردة التي جاءت على لسانه ـ صلى الله عليه وسلم ـ مرتبة بالحروف


حرف الهمزة


إثمد
هو حجر الكحل الأسود، يؤتى به من أصبهان، وهو أفضله ويؤتى به من جهة المغرب أيضًا، وأجوده السريع التفتيت الذي لفتاته بصيص، وداخله أملس ليس فيه شيء من الأوساخ‏.‏ ومزاجه بارد يابس ينفع العين ويقويها، ويشد أعصابها، ويحفظ صحتها، ويذهب اللحم الزائد في القروح ويدملها، وينقي أوساخها، ويجلوها، ويذهب الصداع إذا اكتحل به مع العسل المائي الرقيق، وإذا دق وخلط ببعض الشحوم الطرية، ولطخ على حرق النار، لم تعرض فيه خشكريشة، ونفع من التنفط الحادث بسببه، وهو أجود أكحال العين لا سيما للمشايخ، والذين قد ضعفت أبصارهم إذا جعل معه شيء من المسك‏.‏
أترج
ثبت في الصحيح‏:‏ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة، طعمها طيب، وريحها طيب‏)‏‏.‏
في الأترج منافع كثيرة، وهو مركب من أربعة أشياء‏:‏ قشر، ولحم، وحمض، وبزر، ولكل واحد منها مزاج يخصه، فقشره حار يابس، ولحمه حار رطب، وحمضه بارد يابس، وبزره حار يابس‏.‏ ومن منافع قشره‏:‏ أنه إذا جعل في الثياب منع السوس، ورائحته تصلح فساد الهواء والوباء، ويطيب النكهة إذا أمسكه في الفم، ويحلل الرياح، وإذا جعل في الطعام كالأبازير، أعان على الهضم‏.‏ قال صاحب القانون‏:‏ وعصارة قشره تنفع من نهش الأفاعي شربًا، وقشره ضمادًا، وحراقة قشره طلاء جيد للبرص‏.‏ انتهى‏.‏
وأما لحمه‏:‏ فملطف لحرارة المعدة، نافع لأصحاب المرة الصفراء، قامع للبخارات الحارة‏.‏ وقال الغافقي‏:‏ أكل لحمه ينفع البواسير‏.‏ انتهى‏.‏
وأما حمضه‏:‏ فقابض كاسر للصفراء، ومسكن للخفقان الحار، نافع من اليرقان شربًا واكتحالًا، قاطع للقئ الصفراوي، مشه للطعام، عاقل للطبيعة، نافع من الإسهال الصفراوي، وعصارة حمضه يسكن غلمة النساء، وينفع طلاء من الكلف، ويذهب بالقوباء، ويستدل على ذلك من فعله في الحبر إذا وقع في الثياب قلعه، وله قوة تلطف، وتقطع، وتبرد، وتطفئ حرارة الكبد، وتقوي المعدة، وتمنع حدة المرة الصفراء، وتزيل الغم العارض منها، وتسكن العطش‏.‏
وأما بزره‏:‏ فله قوة محللة مجففة‏.‏ وقال ابن ماسويه‏:‏ خاصية حبه النفع من السموم القاتلة إذا شرب منه وزن مثقال مقشرًا بماء فاتر وطلاء مطبوخ 0 وإن دق ووضع على موضع اللسعة، نفع، وهو ملين للطبيعة، مطيب للنكهة، وأكثر هذا الفعل موجود في قشره، وقال غيره‏:‏ خاصية حبه النفع من لسعات العقارب إذا شرب منه وزن مثقالين مقشرًا بماء فاتر، وكذلك إذا دق ووضع على موضع اللدغة‏.‏ وقال غيره‏:‏ حبه يصلح للسموم كلها، وهو نافع من لدغ الهوام كلها‏.‏
وذكر أن بعض الأكاسرة غضب على قوم من الأطباء، فأمر بحبسهم، وخيرهم أدمًا لا يزيد لهم عليه، فاختاروا الأترج، فقيل لهم‏:‏ لم اخترتموه على غيره‏؟‏ فقالوا‏:‏ لأنه في العاجل ريحان، ومنظره مفرح، وقشره طيب الرائحة، ولحمه فاكهة، وحمضه أدم، وحبه ترياق، وفيه دهن‏.‏
وحقيق بشيء هذه منافعه أن يشبه به خلاصة الوجود، وهو المؤمن الذي يقرأ القرآن، وكان بعض السلف يحب النظر إليه لما في منظره من التفريح‏.‏
أرز
فيه حديثان باطلان موضوعان على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحدهما‏:‏ أنه‏:‏ ‏(‏لو كان رجلًا، لكان حليمًا‏)‏ الثاني‏:‏ ‏(‏كل شيء أخرجته الأرض ففيه داء وشفاء إلا الأرز، فإنه شفاء لا داء فيه‏)‏ ذكرناهما تنبيهًا وتحذيرًا من نسبتهما إليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏.‏
وبعد فهو حار يابس، وهو أغذى الحبوب بعد الحنطة، وأحمدها خلطًا، يشد البطن شدًا يسيرًا، ويقوي المعدة، ويدبغها، ويمكث فيها‏.‏ وأطباء الهند تزعم، أنه أحمد الأغذية وأنفعها إذا طبخ بألبان البقر، وله تأثير في خصب البدن، وزيادة المني، وكثرة التغذية، وتصفية اللون‏.‏
أرز‏:‏ بفتح الهمزة وسكون الراء‏:‏ وهو الصنوبر، ذكره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في قوله‏:‏ ‏(‏مثل المؤمن مثل الخامة من الزرع، تفيئها الرياح، تقيمها مرة، وتميلها أخرى، ومثل المنافق مثل الأرزة لا تزال قائمة على أصلها حتى يكون انجعافها مرة واحدة‏)‏، وحبه حار رطب، وفيه إنضاج وتليين، وتحليل، ولذع يذهب بنقعه في الماء، وهو عسر الهضم، وفيه تغذية كثيرة، وهو جيد للسعال، ولتنقية رطوبات الرئة، ويزيد في المني، ويولد مغصًا، وترياقه حب الرمان المر‏.‏
إذخر
ثبت في الصحيح عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال في مكة‏:‏ ‏(‏لا يختلى خلاها، فقال له العباس رضي الله عنه‏:‏ إلا الإذخر يا رسول الله، فإنه لقينهم ولبيوتهم، فقال‏:‏ إلا الإذخر‏)‏‏.‏
والإذخر حار في الثانية، يابس في الأولى، لطيف مفتح للسدد وأفواه العروق، يدر البول والطمث، ويفتت الحصى، ويحلل الأورام الصلبة في المعدة والكبد والكليتين شربًا وضمادًا، وأصله يقوي عمود الأسنان والمعدة، ويسكن الغثيان، ويعقل البطن‏.‏


حرف الباء


بطيخ
روى أبو داود والترمذي، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه كان يأكل البطيخ بالرطب، يقول‏:‏ ‏(‏ نكسر حر هذا ببرد هذا، وبرد هذا بحر هذا‏)‏‏.‏وفي البطيخ عدة أحاديث لا يصح منها شيء غير هذا الحديث الواحد، والمراد به الأخضر، وهو بارد رطب، وفيه جلاء، وهو أسرع انحدارًا عن المعدة من القثاء والخيار، وهو سريع الإستحالة إلى أي خلط كان صادفه في المعدة، وإذا كان آكله محرورًا انتفع به جدًا، وإن كان مبرودًا دفع ضرره بيسير من الزنجيل ونحوه، وينبغي أكله قبل الطعام، ويتبع به، وإلا غثى وقيأ، وقال بعض الأطباء‏:‏ إنه قبل الطعام يغسل البطن غسلًا، ويذهب بالداء أصلًا‏.‏
بلح
روى النسائي وابن ماجه في سننهما‏:‏ من هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏كلوا البلح بالتمر، فإن الشيطان إذا نظر إلى ابن آدم يأكل البلح بالتمر يقول‏:‏ بقي ابن آدم حتى أكل الحديث بالعتيق‏)‏‏.‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏كلوا البلح بالتمر، فإن الشيطان يحزن إذا رأى ابن آدم يأكله يقول‏:‏ عاش ابن آدم حتى أكل الجديد بالخلق‏)‏، رواه البزار في مسنده وهذا لفظه‏.‏
قلت‏:‏ الباء في الحديث بمعنى‏:‏ مع، أي‏:‏ كلوا هذا مع هذا قال بعض أطباء الإسلام‏:‏ إنما أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأكل البلح بالتمر، ولم يأمر بأكل البسر مع التمر، لأن البلح بارد يابس، والتمر حار رطب، ففي كل منهما إصلاح للآخر، وليس كذلك البسر مع التمر، فإن كل واحد منهما حار، وإن كانت حرارة التمر أكثر، ولا ينبغي من جهة الطب الجمع بين حارين أو باردين، كما تقدم‏.‏ وفي هذا الحديث‏:‏ التنبيه على صحة أصل صناعة الطب، ومراعاة التدبير الذي يصلح في دفع كيفيات الأغذية والأدوية بعضها ببعض، ومراعاة القانون الطبي الذي تحفظ به الصحة‏.‏ وفي البلح برودة ويبوسة، وهو ينفع الفم واللثة والمعدة، وهو رديء للصدر والرئة بالخشونة التي فيه، بطيء في المعدة يسير التغذية، وهو للنخلة كالحصرم لشجرة العنب، وهما جميعًا يولدان رياحًا، وقراقر، ونفخًا، ولا سيما إذا شرب عليهما الماء، ودفع مضرتهما بالتمر، أو بالعسل والزبد‏.‏
بسر‏:‏ ثبت في الصحيح‏:‏ أن أبا الهيثم بن التيهان، لما ضافه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما، جاءهم بعذق ـ وهو من النخلة كالعنقود من العنب ـ فقال له‏:‏ ‏(‏هلا انتقيت لنا من رطبه فقال‏:‏ أحببت أن تنتقوا من بسره ورطبه‏)‏‏.‏
البسر‏:‏ حار يابس، ويبسه أكثر من حره، ينشف الرطوبة، ويدبغ المعدة، ويحبس البطن، وينفع اللثة والفم، وأنفعه ما كان هشًا وحلوًا، وكثرة أكله وأكل البلح يحدث السدد في الأحشاء‏.‏
بيض‏:‏

 ذكر البيهقي في شعب الإيمان أثرًا مرفوعًا‏:‏ أن نبيًا من الأنبياء شكى إلى الله سبحانه الضعف، فأمره بأكل البيض‏.‏ وفي ثبوته نظر، ويختار من البيض الحديث على العتيق، وبيض الدجاج على سائر بيض الطير، وهو معتدل يميل إلى البرودة قليلًا‏.‏
قال صاحب القانون‏:‏ ومحه‏:‏ حار رطب، يولد دمًا صحيحًا محمودًا، ويغذي غذاءًا يسيرًا، ويسرع الإنحدار من المعدة إذا كان رخوًا‏.‏ وقال غيره‏:‏ مح البيض‏:‏ مسكن للألم، مملس للحلق وقصبة الرئة، نافع للحلق والسعال وقروح الرئة والكلى والمثانة، مذهب للخشونة، لا سيما إذا أخذ بدهن اللوز الحلو، ومنضج لما في الصدر، ملين له، مسهل لخشونة الحلق، وبياضه إذا قطر في العين الوارمة ورمًا حارًا، برده، وسكن الوجع وإذا لطخ به حرق النار أو ما يعرض له، لم يدعه يتنفط، وإذا لطخ به الوجع، منع الإحتراق العارض من الشمس، واذا خلط بالكندر، ولطخ على الجبهة، نفع من النزلة‏.‏
وذكره صاحب القانون في الأدوية القلبية، ثم قال‏:‏ وهو ـ وإن لم يكن من الأدوية المطلقة ـ فإنه مما له مدخل في تقوية القلب جدًا أعني الصفرة، وهي تجمع ثلاثة معان‏:‏ سرعة الإستحالة إلى الدم، وقلة الفضلة، وكون الدم المتولد منه مجانسًا للدم الذي يغذو القلب خفيفًا مندفعًا إليه بسرعة، ولذلك هو أوفق ما يتلافى به عادية الأمراض المحللة لجوهر الروح‏.‏

بصل
روى أبو داود في سننه‏:‏ عن عائشة رضي الله عنها، أنها سئلت عن البصل، فقالت‏:‏ إن آخر طعام أكله رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان فيه بصل‏.‏
وثبت عنه في الصحيحين أنه منع آكله من دخول المسجد‏.‏ والبصل‏:‏ حار في الثالثة، وفيه رطوبة فضلية ينفع من تغير المياه، ويدفع ريح السموم، ويفتق الشهوة، ويقوي المعدة، ويهيج الباه، ويزيد في المني، ويحسن اللون، ويقطع البلغم، ويجلو المعدة، وبزره يذهب البهق، ويدلك به حول داء الثعلب، فينفع جدًا، وهو بالملح يقلع الثآليل، وإذا شمه من شرب دواء مسهلًا منعه من القيء والغثيان، وأذهب رائحة ذلك الدواء، وإذا استعط بمائه، نقى الرأس، ويقطر في الأذن لثقل السمع والطنين والقيح، والماء الحادث في الأذنين، وينفع من الماء النازل في العينين اكتحالًا يكتحل ببزره مع العسل لبياض العين، والمطبوخ منه كثير الغذاء ينفع من اليرقان والسعال، وخشونة الصدر، ويدر البول، ويلين الطبع، وينفع من عضة الكلب غير الكلب إذا نطل عيها ماؤه بملح وسذاب، وإذا احتمل، فتح أفواه البواسير‏.‏ وأما ضرره‏:‏ فإنه يورث الشقيقة، ويصدع الرأس، ويولد أرياحًا، ويظلم البصر، وكثرة أكله تورث النسيان، ويفسد العقل، ويغير رائحة الفم والنكهة، ويؤذي الجليس، والملائكة، وإماتته طبخًا تذهب بهذه المضرات منه‏.‏
وفي السنن‏:‏ أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمر آكله وآكل الثوم أن يميتهما طبخًا ويذهب رائحته مضغ ورق السذاب عليه‏.‏
باذنجان
في الحديث الموضوع المختلق على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏الباذنجان لما أكل له‏)‏، وهذا الكلام مما يستقبح نسبته إلى آحاد العقلاء، فضلًا عن الانبياء، وبعد‏:‏ فهو نوعان‏:‏ أبيض وأسود، وفيه خلاف، هل هو بارد أو حار‏؟‏ والصحيح‏:‏ أنه حار، وهو مولد للسوداء والبواسير، والسدد والسرطان والجذام، ويفسد اللون ويسوده، ويضر بنتن الفم، والأبيض منه المستطيل عار من ذلك‏.‏


حرف التاء


تمر
ثبت في الصحيح عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏من تصبح بسبع تمرات وفي لفظ‏:‏ من تمر العالية لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر‏)‏‏.‏ وثبت عنه أنه قال‏:‏ ‏(‏بيت لا تمر فيه جياع أهله‏)‏‏.‏ وثبت عنه أكل التمر بالزبد، وأكل التمر بالخبز، وأكله مفردًا‏.‏
وهو حار في الثانية، وهل هو رطب في الأولى، أو يابس فيها‏؟‏‏.‏ على قولين‏.‏ وهو مقو للكبد، ملين للطبع، يزيد في الباه، ولا سيما مع حب الصنوبر، ويبرئ من خشونة الحلق، ومن لم يعتده كأهل البلاد الباردة فإنه يورث لهم السدد، ويؤذي الأسنان، ويهيج الصداع، ودفع ضرره باللوز والخشخاش، وهو من أكثر الثمار تغذية للبدن بما فيه من الجوهر الحار الرطب، وأكله على الريق يقتل الدود، فإنه مع حرارته فيه قوة ترياقية، فإذا أديم استعماله على الريق، خفف مادة الدود، وأضعفه وقلله، أو قتله، وهو فاكهة وغذاء، ودواء وشراب وحلوى‏.‏
تين
لما لم يكن التين بأرض الحجاز والمدينة، لم يأت له ذكر في السنة، فإن أرضه تنافي أرض النخل، ولكن قد أقسم الله به في كتابه، لكثرة منافعه وفوائده، والصحيح‏:‏ أن المقسم به‏:‏ هو التين المعروف‏.‏
وهو حار، وفي رطوبته ويبوسته قولان، وأجوده‏:‏ الأبيض الناضج القشر، يجلو رمل الكلى والمثانة، ويؤمن من السموم، وهو أغذى من جميع الفواكه وينفع خشونة الحلق والصدر، وقصبة الرئة، ويغسل الكبد والطحال، وينقي الخلط البلغمي من المعدة، ويغذو البدن غذاء جيدًا، إلا أنه يولد القمل إذا أكثر منه جدًا‏.‏
ويابسه يغذو وينفع العصب، وهو مع الجوز واللوز محمود، قال جالينوس‏:‏ وإذا أكل مع الجوز والسذاب قبل أخذ السم القاتل، نفع، وحفظ من الضرر‏.‏
ويذكر عن أبي الدرداء‏:‏ أهدي إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ طبق من تين، فقال‏:‏ ‏(‏كلوا و أكل منه، وقال‏:‏ لو قلت‏:‏ إن فاكهة نزلت من الجنة قلت‏:‏ هذه، لأن فاكهة الجنة بلا عجم، فكلوا منها فإنها تقطع البواسير، وتنفع من النقرس‏)‏‏.‏ وفي ثبوت هذا نظر‏.‏
واللحم منه أجود، ويعطش المحرورين، ويسكن العطش الكائن عن البلغم المالح، وينفع السعال المزمن، ويدر البول، ويفتح سدد الكبد والطحال، ويوافق الكلى والمثانة، ولأكله على الريق منفعة عجيبة في تفتيح مجاري الغذاء وخصوصًا باللوز والجوز، وأكله مع الأغذية الغليظة رديء جدًا، والتوت الأبيض قريب منه، لكنه أقل تغذية وأضر بالمعدة‏.‏
تلبينة
قد تقدم إنها ماء الشعير المطحون، وذكرنا منافعها، وأنها أنفع لأهل الحجاز من ماء الشعير الصحيح‏.‏


حرف الثاء


ثلج
ثبت في الصحيح‏:‏ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد‏)‏‏.‏
وفي هذا الحديث من الفقه‏:‏ أن الداء يداوى بضده، فان في الخطايا من الحرارة والحريق ما يضاده الثلج والبرد، والماء البارد، ولا يقال‏:‏ إن الماء الحار أبلغ في إزالة الوسخ، لأن في الماء البارد من تصليب الجسم وتقويته ما ليس في الحار، والخطايا توجب أثرين‏:‏ التدنيس والإرخاء، فالمطلوب مداواتها بما ينظف القلب ويصلبه، فذكر الماء البارد والثلج والبرد إشارة إلى هذين الأمرين‏.‏ وبعد فالثلج بارد على الأصح، وغلط من قال‏:‏ حار، وشبهته تولد الحيوان فيه، وهذا لا يدل على حرارته، فإنه يتولد في الفواكه الباردة، وفي الخل، وأما تعطيشه، فلتهييجه الحرارة لا لحرارته في نفسه، ويضر المعدة والعصب، وإذا كان وجع الأسنان من حرارة مفرطة، سكنها‏.‏
ثوم
هو قريب من البصل، وفي الحديث‏:‏ ‏(‏من أكلهما فليمتهما طبخًا‏)‏‏.‏ وأهدي إليه طعام فيه ثوم، فأرسل به إلى أبي أيوب الأنصاري، فقال‏:‏ يا رسول الله، تكرهه وترسل به إلي‏؟‏ فقال‏:‏ ‏(‏إني أناجي من لا تناجي‏)‏‏.‏ وبعد فهو حار يابس في الرابعة، يسخن تسخينًا قويًا، ويجفف تجفيفًا بالغًا، نافع للمبرودين، ولمن مزاجه بلغمي، ولمن أشرف على الوقوع في الفالج، وهو مجفف للمني، مفتح للسدد، محلل للرياح الغليظة، هاضم للطعام، قاطع للعطش، مطلق للبطن، مدر للبول، يقوم في لسع الهوام وجميع الأورام الباردة مقام الترياق، وإذا دق وعمل منه ضماد على نهش الحيات، أو على لسع العقارب، نفعها وجذب السموم منها، ويسخن البدن، ويزيد في حرارته، ويقطع البلغم، ويحلل النفخ، ويصفي الحلق، ويحفظ صحة أكثر الأبدان، وينفع من تغير المياه، والسعال المزمن، ويؤكل نيئًا ومطبوخًا ومشويًا، وينفع من وجع الصدر من البرد، ويخرج العلق من الحلق، وإذا دق مع الخل والملح والعسل، ثم وضع على الضرس المتأكل، فتته وأسقطه، وعلى الضرس الوجع، سكن وجعه‏.‏ وإن دق منه مقدار درهمين، وأخذ مع ماء العسل، أخرج البلغم والدود، وإذا طلي بالعسل على البهق، نفع‏.‏
ومن مضاره‏:‏ أنه يصدع، ويضر الدماغ والعينين، ويضعف البصر والباه، ويعطش، ويهيج الصفراء، ويجيف رائحة الفم، ويذهب رائحته أن يمضع عليه ورق السذاب‏.‏
ثريد
ثبت في الصحيحين عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام‏)‏‏.‏
والثريد وإن كان مركبًا، فإنه مركب من خبز ولحم، فالخبز أفضل الأقوات، واللحم سيد الإدام، فإذا اجتمعا لم يكن بعدهما غاية‏.‏ وتنازع الناس أيهما أفضل‏؟‏ والصواب أن الحاجة إلى الخبز أكثر وأعم، واللحم أجل وأفضل، وهو أشبه بجوهر البدن من كل ما عداه، وهو طعام أهل الجنة، وقد قال تعالى لمن طلب البقل، والقثاء، والفوم، والعدس، والبصل‏:‏ ‏{‏أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 62‏]‏، وكثير من السلف على أن الفوم الحنطة، وعلى هذا فالآية نص على أن اللحم خير من الحنطة‏.‏


حرف الجيم


جمار
قلب النخل، ثبت في الصحيحين‏:‏ عن عبد الله بن عمر قال‏:‏ بينا نحن عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ جلوس، إذ أتي بجمار نخلة، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏إن من الشجر شجرة مثل الرجل المسلم لا يسقط ورقها‏.‏‏.‏‏.‏ الحديث‏)‏‏.‏ والجمار‏:‏ بارد يابس في الأولى، يختم القروح، وينفع من نفث الدم، واستطلاق البطن، وغلبة المرة الصفراء، وثائرة الدم وليس برديء الكيموس، ويغذو غذاء يسيرًا، وهو بطيء الهضم، وشجرته كلها منافع، ولهذا مثلها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالرجل المسلم لكثرة خيره ومنافعه‏.‏
جبن
في السنن عن عبد الله بن عمر قال‏:‏ ‏(‏أتي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بجبنة في تبوك، فدعا بسكين، وسمى وقطع‏)‏ رواه أبو داود، وأكله الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ بالشام، والعراق، والرطب منه غير المملوح جيد للمعدة، هين السلوك في الأعضاء، يزيد في اللحم، ويلين البطن تليينًا معتدلًا، والمملوح أقل غذاء من الرطب، وهو رديء للمعدة، مؤذ للأمعاء، والعتيق يعقل البطن، وكذا المشوي، وينفع القروح، ويمنع الإسهال‏.‏
وهو بارد رطب، فإن استعمل مشويًا، كان أصلح لمزاجه، فإن النار تصلحه وتعدله، وتلطف جوهره، وتطيب طعمه ورائحته‏.‏ والعتيق المالح، حار يابس، وشيه يصلحه أيضًا بتلطيف جوهره، وكسر حرافته لما تجذبه النار منه من الأجزاء الحارة اليابسة المناسبة لها، والمملح منه يهزل، ويولد حصاة الكلى والمثانة، وهو رديء للمعدة، وخلطه بالملطفات أردأ بسبب تنفيذها له إلى المعدة‏.‏

الجراد
في الصحيحين‏:‏ عن عبد الله بن أبي أوفى قال‏:‏ غزونا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سبع غزوات نأكل الجراد‏.‏
وفي المسند عنه‏:‏ ‏(‏أحلت لنا ميتتان ودمان‏:‏ الحوت والجراد، والكبد والطحال‏)‏‏.‏ يروى مرفوعًا وموقوفًا على ابن عمر رضي الله عنه‏.‏
وهو حار يابس، قليل الغذاء، وإدامة أكله تورث الهزال، وإذا تبخر به نفع من تقطير البول وعسره، وخصوصًا للنساء، ويتبخر به للبواسير، وسمانه يشوى ويؤكل للسع العقرب، وهو ضار لأصحاب الضرع، رديء الخلط، وفي إباحة ميتته بلا سبب قولان، فالجمهور على حله، وحرمه مالك، ولا خلاف في إباحة ميتته إذا مات بسبب، كالكبس والتحريق ونحوه‏.‏


حرف الحاء


حناء
قد تقدمت الأحاديث في فضله، وذكر منافعه، فأغنى عن إعادته‏.‏
حبة السوداء
ثبت في الصحيحين‏:‏ من حديث أبي سلمة، عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏عليكم بهذه الحبة السوداء، فإن فيها شفاء من كل داء إلا السام‏)‏‏.‏ والسام‏:‏ الموت‏.‏
الحبة السوداء‏:‏ هي الشونيز في لغة الفرس، وهي الكمون الأسود، وتسمى الكمون الهندي، قال الحربي، عن الحسن‏:‏ إنها الخردل، وحكى الهروي‏:‏ أنها الحبة الخضراء ثمرة البطم، وكلاهما وهم، والصواب‏:‏ أنها الشونيز‏.‏
وهي كثيرة المنافع جدًا، وقوله‏:‏ ‏(‏شفاء من كل داء‏)‏، مثل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏تدمر كل شيء بأمر ربها‏}‏ ‏[‏الأحقاف‏:‏ 25‏]‏‏.‏ أي‏:‏ كل شيء يقبل التدمير ونظائره، وهي نافعة من جميع الأمراض الباردة، وتدخل في الأمراض الحارة اليابسة بالعرض، فتوصل قوى الأدوية الباردة الرطبة إليها بسرعة تنفيذها إذا أخذ يسيرها‏.‏
وقد نص صاحب القانون وغيره، على الزعفران في قرص الكافور لسرعة تنفيذه وإيصاله قوته، وله نظائر يعرفها حذاق الصناعة، ولا تستبعد منفعة الحار في أمراض حارة بالخاصية، فإنك تجد ذلك في أدوية كثيرة، منها‏:‏ الأنزروت وما يركب معه من أدوية الرمد، كالسكر وغيره من المفردات الحارة، والرمد ورم حار باتفاق الأطباء، وكذلك نفع الكبريت الحار جدًا من الجرب‏.‏ والشونيز حار يابس في الثالثة، مذهب للنفخ، مخرح لحب القرع، نافع من البرص وحمى الربع‏:‏ والبلغمية مفتح للسدد، ومحلل للرياح، مجفف لبلة المعدة ورطوبتها‏.‏ وإن دق وعجن بالعسل، وشرب بالماء الحار، أذاب الحصاة التي تكون في الكليتين والمثانة، ويدر البول والحيض واللبن إذا أديم شربه أيامًا، وان سخن بالخل، وطلي على البطن، قتل حب القرع، فإن عجن بماء الحنظل الرطب، أو المطبوخ، كان فعله في إخراج الدود أقوى، ويجلو ويقطع، ويحلل، ويشفي من الزكام البارد إذا دق وصير في خرقة، واشتم دائمًا، أذهبه‏.‏
ودهنه نافع لداء الحية، ومن الثآليل والخيلان، وإذا شرب منه مثقال بماء، نفعع من البهر وضيق النفس، والضماد به ينفع من الصداع البارد، واذا نقع منه سبع حبات عددًا في لبن امرأة، وسعط به صاحب اليرقان، نفعه نفعًا بليغًا‏.‏
وإذا طبخ بخل، وتمضمض به، نفع من وجع الأسنان عن برد، وإذا استعط به مسحوقًا، نفع من ابتداء الماء العارض في العين، وإن ضمد به مع الخل، قلع البثور والجرب المتقرح، وحلل الأورام البلغمية المزمنة، والأورام الصلبة، وينفع من اللقوة إذا تسعط بدهنه، وإذا شرب منه مقدار نصف مثقال إلى مثقال، نفع من لسع الرتيلاء، وإن سحق ناعمًا وخلط بدهن الحبة الخضراء، وقطر منه في الأذن ثلاث قطرات، نفع من البرد العارض فيها والريح والسدد‏.‏
وإن قلي، ثم دق ناعمًا، ثم نقع في زيت، وقطر في الأنف ثلاث قطرات أو أربع، نفع من الزكام العارض معه عطاس كثير‏.‏
وإذا أحرق وخلط بشمع مذاب بدهن السوسن، أو دهن الحناء، وطلي به القروح الخارجة من الساقين بعد غسلها بالخل، نفعها وأزال القروح‏.‏
وإذا سحق بخل، وطلي به البرص والبهق الأسود، والحزاز الغليظ، نفعها وأبرأها‏.‏
وإذا سحق ناعمًا، واستف منه كل يوم درهمين بماء بارد من عضه كلب كلب قبل أن يفرغ من الماء، نفعه نفعًا بليغًا، وأمن على نفسه من الهلاك‏.‏ وإذا استعط بدهنه، نفع من الفالج والكزاز، وقطع موادهما، وإذا دخن به، طرد الهوام‏.‏
وإذا أذيب الأنزروت بماء، ولطخ على داخل الحلقة، ثم ذر عليها الشونيز، كان من الذرورات الجيدة العجيبة النفع من البواسير، ومنافعه أضعاف ما ذكرنا، والشربة منه درهمان، وزعم قوم أن الإكثار منه قاتل‏.‏
حرير

:‏ قد تقدم أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أباحه للزبير، ولعبد الرحمن بن عوف من حكة كانت بهما، وتقدم منافعه ومزاجه، فلا حاجة إلى إعادته‏.‏
قال أبو حنيفة الدينوري‏:‏ هذا هو الحب الذي يتداوى به، وهو الثفاء الذي جاء فيه الخبر عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ونباته يقال له‏:‏ الحرف، وتسميه العامة‏:‏ الرشاد، وقال أبو عبيد‏:‏ الثفاء‏:‏ هو الحرف‏.‏
قلت‏:‏ والحديث الذي أشار إليه، ما رواه أبو عبيد وغيره، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏ماذا في الأمرين من الشفاء‏؟‏ الصبر والثفاء‏)‏‏.‏ رواه أبو داود في المراسيل‏.‏
وقوته في الحرارة واليبوسة في الدرجة الثالثة، وهو يسخن، ويلين البطن، ويخرج الدود وحب القرع، ويحلل أورام الطحال، ويحرك شهوة الجماع، ويجلو الجرب المتقرح والقوباء‏.‏ وإدا ضمد به مع العسل، حلل ورم الطحال، وإذا طبخ مع الحناء أخرج الفضول التي في الصدر، وشربه ينفع من نهش الهوام ولسعها، وإذا دخن به في موضع، طرد الهوام عنه، ويمسك الشعر المتساقط، وإذا خلط بسويق الشعير والخل، وتضمد به، نفع من عرق النسا، وحلل الأورام الحارة في آخرها‏.‏
وإذا تضمد به مع الماء والملح أنضج الدماميل، وينفع من الإسترخاء في جميع الاعضاء، ويزيد في الباه، ويشهي الطعام، وينفع الربو، وعسر التنفس، وغلظ الطحال، وينقي الرئة، ويدر الطمث، وينفع من عرق النساء، ووجع حق الورك مما يخرج من الفضول، إذا شرب أو احتقن به، ويجلو ما في الصدر والرئة من البلغم اللزج‏.‏
وإن شرب منه بعد سحقه وزن خمسة دراهم بالماء الحار، أسهل الطبيعة، وحلل الرياح، ونفع من وجع القولنج البارد السبب، وإذا سحق وشرب، نفع من البرص‏.‏
وإن لطخ عليه وعلى البهق الأبيض بالخل، نفع منهما، وينفع من الصداع الحادث من البرد والبلغم، وإن قلي، وشرب، عقل الطبع لا سيما إذا لم يسحق لتحلل لزوجته بالقلي، وإذا غسل بمائه الرأس، نشاه من الاوساخ والرطوبات اللزجة‏.‏
قال جالينوس‏:‏ قوته مثل قوة بزر الخردل، ولذلك قد يسخن به أوجاع الورك المعروفة بالنسا، وأوجاع الرأس، وكل واحد من العلل التي تحتاج إلى التسخين، كما يسخن بزر الخردل، وقد يخلط أيضًا في أدوية يسقاها أصحاب الربو من طريق أن الأمر فيه معلوم أنه يقطع الأخلاط الغليظة تقطيعًا قويًا، كما يقطعها بزر الخردل، لأنه شبيه به في كل شيء‏.‏
حلبة
يذكر عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏أنه عاد سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه بمكة، فقال‏:‏ ادعوا له طبيبًا، فدعي الحارث بن كلدة، فنظر إليه، فقال‏:‏ ليس عليه بأس، فاتخذوا له فريقة، وهي الحلبة مع تمر عجوة رطب يطبخان، فيحساهما، ففعل ذلك، فبرئ‏)‏‏.‏
وقوة الحلبة من الحرارة في الدرجة الثانية، ومن اليبوسة في الأولى، وإذا طبخت بالماء، لينت الحلق والصدر والبطن، وتسكن السعال والخشونة والربو، وعسر النفس، وتزيد في الباه، وهي جيدة للريح والبلغم والبواسير، محدرة الكيموسات المرتبكة في الأمعاء، وتحلل البلغم اللزج من الصدر، وتنفع من الدبيلات وأمراض الرئة، وتستعمل لهذه الأدواء في الأحشاء مع السمن والفانيذ‏.‏
وإذا شربت مع وزن خمسة دراهم فوة، أدرت الحيض، وإذا طبخت، وغسل بها الشعر جعدته، وأذهبت الحزاز‏.‏
ودقيقها إذا خلط بالنطرون والخل، وضمد به، حلل ورم الطحال، وقد تجلس المرأة في الماء الذي طبخت فيه الحلبة، فتنتفع به من وجع الرحم العارض من ورم فيه‏.‏
وإذا ضمد به الأورام الصلبة القليلة الحرارة، نفعتها وحللتها، وإذا شرب ماؤها، نفع من المغص العارض من الرياح، وأزلق الأمعاء‏.‏
وإذا أكلت مطبوخة بالتمر، أو العسل، أو التين على الريق، حللت البلغم اللزج العارض في الصدر والمعدة، ونفعت من السعال المتطاول منه‏.‏
وهي نافعة من الحصر، مطلقة للبطن، وإذا وضعت على الظفر المتشنج أصلحته، ودهنها ينفع إذا خلط بالشمع من الشقاق العارض من البرد، ومنافعها أضعاف ما ذكرنا‏.‏
ويذكر عن القاسم بن عبد الرحمن، أنه قال‏:‏ قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏استشفوا بالحلبة‏)‏‏.‏ وقال بعض الأطباء‏:‏ لو علم الناس منافعها، لاشتروها بوزنها ذهبًا‏.‏


حرف الخاء


خبز
ثبت في الصحيحين، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار كما يكفؤ أحدكم خبزته في السفر نزلًا لأهل الجنة‏)‏‏.‏
وروى أبو داود في سننه‏:‏ من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال‏:‏ كان أحب الطعام إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الثريد من الخبز، والثريد من الحيس‏.‏
وروى أبو داود في سننه أيضًا، من حديث ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال‏:‏ قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏وددت أن عندي خبزة بيضاء من برة سمراء ملبقة بسمن ولبن، فقام رجل من القوم فاتخذه، فجاء به، فقال‏:‏ في أي شيء كان هذا السمن‏؟‏ فقال‏:‏ في عكة ضب، فقال‏:‏ ارفعه‏)‏‏.‏
وذكر البيهقي من حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ ترفعه‏:‏ ‏(‏أكرموا الخبز، ومن كرامته أن لا ينتظر به الإدام‏)‏ والموقوف أشبه، فلا يثبت رفعه، ولا رفع ما قبله‏.‏
وأما حديث النهى عن قطع الخبز بالسكين، فباطل لا أصل له عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإنما المروي‏:‏ النهي عن قطع اللحم بالسكين، ولا يصح أيضًا‏.‏
قال مهنا‏:‏ سألت أحمد عن حديث أبي معشر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏لا تقطعوا اللحم بالسكين، فإن ذلك من فعل الأعاجم‏)‏‏.‏ فقال‏:‏ ليس بصحيح، ولا يعرف هذا، وحديث عمرو بن أمية خلاف هذا، وحديث المغيرة ـ يعني بحديث عمرو بن أمية ـ‏:‏ كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحتز من لحم الشاة‏.‏ وبحديث المغيرة أنه لما أضافه أمر بجنب فشوي، ثم أخذ الشفرة، فجعل يحز‏.‏
فصل‏:‏ وأحمد أنواع الخبز أجودها اختمارًا وعجنًا
ثم خبز التنور أجود أصنافه، وبعده خبز الفرن، ثم خبز الملة في المرتبة الثالثة، وأجوده ما اتخذ من الحنطة الحديثة‏.‏
وأكثر أنواعه تغذية خبز السميد، وهو أبطؤها هضمًا لقلة نخالته، ويتلوه خبز الحوارى، ثم الخشكار‏.‏
وأحمد أوقات أكله في آخر اليوم الذي خبز فيه، واللين منه أكثر تليينًا وغذاء وترطيبًا وأسرع انحدارًا، واليابس بخلافه‏.‏
ومزاج الخبز من البر حار في وسط الدرجة الثانية، وقريب من الإعتدال في الرطوبة واليبوسة، واليبس يغلب على ما جففته النار منه، والرطوبة على ضده‏.‏
وفي خبز الحنطة خاصية، وهو أنه يسمن سريعًا، وخبز القطائف يولد خلطًا غليظًا، والفتيت نفاخ بطيء الهضم، والمعمول باللبن مسدد كثير الغذاء، بطيىء الإنحدار‏.‏
وخبز الشعير بارد يابس في الأولى، وهو أقل غذاء من خبز الحنطة‏.‏
خل
روى مسلم في صحيحه‏:‏ عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سأل أهله الإدام، فقالوا‏:‏ ما عندنا إلا خل، فدعا به، وجعل يأكل ويقول‏:‏ ‏(‏نعم الإدام الخل، نعم الإدام الخل‏)‏‏.‏
وفي سنن ابن ماجه عن أم سعد ـ رضي الله عنها ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏نعم الإدام الخل، اللهم بارك في الخل، فإنه كان إدام الأنبياء قبلي، ولم يفتقر بيت فيه الخل‏)‏‏.‏
الخل‏:‏ مركب من الحرارة، والبرودة أغلب عليه، وهو يابس في الثالثة، قوي التجفيف، يمنع من انصباب المواد، ويلطف الطبيعة، وخل الخمر ينفع المعدة الصلبة، ويقمع الصفراء، ويدفع ضرر الأدوية القتالة، ويحلل اللبن والدم إذا جمدا في الجوف، وينفع الطحال، ويدبغ المعدة، ويعقل البطن، ويقطع العطش، ويمنع الورم حيث يريد أن يحدث، ويعين على الهضم، ويضاد البلغم، ويلطف الأغذية الغليظة، ويرق الدم‏.‏
وإذا شرب بالملح، نفع من أكل الفطر القتال، وإذا احتسي، قطع العلق المتعلق بأصل الحنك، وإذا تمضمض به مسخنًا، نفع من وجع الأسنان، وقوى اللثة‏.‏
وهو نافع للداحس، إذا طلي به، والنملة والأورام الحارة، وحرق النار، وهو مشه للأكل، مطيب للمعدة، صالح للشباب، وفي الصيف لسكان البلاد الحارة‏.‏
خلال
فيه حديثان لا يثبتان، أحدهما‏:‏ يروى من حديث أبي أيوب الأنصاري يرفعه‏:‏ ‏(‏يا حبذا المتخللون من الطعام، إنه ليس شيء أشد على الملك من بقية تبقى في الفم من الطعام‏)‏‏.‏ وفيه واصل بن السائب، قال البخاري والرازي‏:‏ منكر الحديث، وقال النسائي والأزدي‏:‏ متروك الحديث‏.‏
الثاني‏:‏ يروى من حديث ابن عباس، قال عبد الله بن أحمد‏:‏ سألت أبي عن شيخ روى عنه صالح الوحاظي يقال له‏:‏ محمد بن عبد الملك الأنصاري، حدثنا عطاء، عن ابن عباس، قال‏:‏ نهى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يتخلل بالليط والآس، وقال‏:‏ ‏(‏إنهما يسقيان عروق الجذام‏)‏، فقال أبي‏:‏ رأيت محمد بن عبد الملك ـ وكان أعمى ـ يضع الحديث، ويكذب‏.‏
وبعد‏:‏ فالخلال نافع للثة والأسنان، حافظ لصحتها، نافع من تغير النكهة، وأجوده ما اتخذ من عيدان الأخلة، وخشب الزيتون والخلاف، والتخلل بالقصب والآس والريحان، والباذروج مضر‏.‏


حرف الدال


دهن
روى الترمذي في كتاب الشمائل من حديث أنس بن مالك رضي الله عنهما، قال‏:‏ كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يكثر دهن رأسه، وتسريح لحيته، ويكثر القناع كأن ثوبه ثوب زيات‏.‏
الدهن يسد مسام البدن، ويمنع ما يتحلل منه، وإذا استعمل به بعد الاغتسال بالماء الحار، حسن البدن ورطبه، وإن دهن به الشعر حسنه وطوله، ونفع من الحصبة، ودفع أكثر الآفات عنه‏.‏
وفي الترمذي‏:‏ من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ مرفوعًا‏:‏ ‏(‏كلوا الزيت وادهنوا به‏)‏‏.‏ وسيأتي إن شاء الله تعالى‏.‏
والدهن في البلاد الحارة، كالحجاز ونحوه من آكد أسباب حفظ الصحة وإصلاح البدن، وهو كالضروري لهم، وأما البلاد الباردة، فلا يحتاج إليه أهلها، والإلحاح به في الرأس فيه خطر بالبصر‏.‏
وأنفع الأدهان البسيطة‏:‏ الزيت، ثم السمن، ثم الشيرج‏.‏
وأما المركبة‏:‏ فمنها بارد رطب، كدهن البنفسج ينفع من الصداع الحار، وينوم أصحاب السهر، ويرطب الدماغ، وينفع من الشقاق، وغلبة اليبس، والجفاف، ويطلى به الجرب، والحكة اليابسة، فينفعها ويسهل حركة المفاصل، ويصلح لأصحاب الأمزجة الحارة في زمن الصيف، وفيه حديثان باطلان موضوعان على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحدهما‏:‏ ‏(‏فضل دهن البنفسج على سائر الأدهان، كفضلي على سائر الناس‏)‏‏.‏
والثاني‏:‏ ‏(‏فضل دهن البنفسج على سائر الأدهان، كفضل الإسلام على سائر الأديان‏)‏‏.‏
ومنها‏:‏ حار رطب، كدهن البان، ولس دهن زهره، بل دهن يستخرج من حب أبيض أغبر نحو الفستق، كثير الدهنية والدسم، ينفع من صلابة العصب، ويلينه، وينفع من البرش والنمش، والكلف والبهق، ويسهل بلغمًا غليظًا، ويلين الأوتار اليابسة، ويسخن العصب، وقد روي فيه حديث باطل مختلق لا أصل له‏:‏ ‏(‏ادهنوا بالبان، فإنه أحظى لكم عند نسائكم‏)‏‏.‏ ومن منافعه أنه يجلو الأسنان، ويكسبها بهجة، وينقيها من الصدأ، ومن مسح به وجهه وأطرافه لم يصبه حصى ولا شقاق، وإذا دهن به حقوه ومذاكيره وما والاها، نفع من برد الكليتين، وتقطير البول‏.‏


حرف الذال


ذريرة
ثبت في الصحيحين‏:‏ عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت‏:‏ طيبت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بيدي، بذريرة في حجة الوداع لحله وإحرامه‏.‏ تقدم الكلام في الذريرة ومنافعها وما هيتها، فلا حاجة لإعادته‏.‏
ذباب‏:‏ تقدم في حديث أبي هريرة المتفق عليه في أمره ـ صلى الله عليه وسلم ـ بغمس الذباب في الطعام إذا سقط فيه لأجل الشفاء الذي في جناحه، وهو كالترياق للسم الذي في الجناح الآخر، وذكرنا منافع الذباب هناك‏.‏
ذهب‏:‏ روى أبو داود، والترمذي‏:‏ ‏(‏أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رخص لعرفجة بن أسعد لما قطع أنفه يوم الكلاب، واتخذ أنفًا من ورق، فأنتن عليه، فأمره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يتخذ أنفًا من ذهب‏)‏‏.‏ وليس لعرفجة عندهم غير هذا الحديث الواحد‏.‏
الذهب
زينة الدنيا، وطلسم الوجود، ومفرح النفوس، ومقوي الظهور، وسر الله في أرضه، ومزاجه في سائر الكيفيات، وفيه حرارة لطيفة تدخل في سائر المعجونات اللطيفة والمفرحات، وهو أعدل المعادن على الإطلاق وأشرفها‏.‏ ومن خواصه أنه إذا دفن في الأرض، لم يضره التراب، ولم ينقصه شيئًا، وبرادته إذا خلطت بالأدوية، نفعت من ضعف القلب، والرجفان العارض من السوداء، وينفع من حديث النفس، والحزن، والغم، والفزع، والعشق، ويسمن البدن، ويقويه، ويذهب الصفار، ويحسن اللون، وينفع من الجذام، وجميع الأوجاع والأمراض السوداوية، ويدخل بخاصية في أدوية داء الثعلب، وداء الحية شربًا وطلاء، ويجلو العين ويقويها، وينفع من كثير من أمراضها، ويقوي جميع الأعضاء‏.‏ وإمساكه في الفم يزيل البخر، ومن كان به مرض يحتاج إلى الكي، وكوي به، لم يتنفط موضعه، ويبرأ سريعًا، وإن اتخذ منه ميلًا واكتحل به، قوى العين وجلاها، وإذا اتخذ منه خاتم فصه منه وأحمي، وكوي به قوادم أجنحة الحمام، ألفت أبراجها، ولم تنتقل عنها‏.‏ وله خاصية عجيبة في تقوية النفوس، لأجلها أبيح في الحرب والسلاح منه ما أبيح، وقد روى الترمذي من حديث مزيدة العصري رضي الله عنه، قال‏:‏ دخل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم الفتح، وعلى سيفه ذهب وفضة‏.‏
وهو معشوق النفوس التي متى ظفرت به، سلاها عن غيره من محبوبات الدنيا، قال تعالى‏:‏ ‏(‏زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث‏)‏، ‏[‏آل عمران‏:‏ 14‏]‏‏.‏
وفي الصحيحين‏:‏ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏لو كان لابن آدم واد من ذهب لابتغى إليه ثانيًا، ولو كان له ثان، لابتغى إليه ثالثًا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب‏)‏‏.‏
هذا وإنه أعظم حائل بين الخليقة وبين فوزها الأكبر يوم معادها، وأعظم شيء عصى الله به، وبه قطعت الأرحام، وأريقت الدماء، واستحلت المحارم، ومنعت الحقوق، وتظالم العباد، وهو المرغب في الدنيا وعاجلها، والمزهد في الآخرة وما أعده الله لأوليائه فيها، فكم أميت به من حق، وأحيي به من باطل، ونصر به ظالم، وقهر به مظلوم، وما أحسن ما قال فيه الحريري‏:‏
تبـًا لـه مـن خـادع ممــاذق** أصفـر ذي وجـهـيـن كـالمـنافق**
يبـدو بـوصـفيـن لـعين الرامق زيــنة مــعـشـوق ولون عاشق **
وحبـه عند ذوي الحقـــائـق ** يدعو إلى ارتكاب سخط الخــالق
لولاه لـم تقـطع يمين السارق ** ولا بـدت مـظـلمـة مــن فــاسق
ولا اشـمــأز بـاخــل مــن طـارق ** ولا اشتكى الممطول مطل العائق
ولا اسـتـعـيـذ مـن حسـود راشـق** وشـر ما فيــه مــن الخلائـق
أن ليس يغني عنك في المضـايق ** إلا إذا فـــــر فـــــرار الآبـــق


حرف الراء


رطب
قال الله تعالى لمريم‏:‏ ‏{‏وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فكلي واشربي وقري عينا ‏}‏ ‏[‏مريم‏:‏ 25‏]‏‏.‏
وفي الصحيحين عن عبد الله بن جعفر، قال‏:‏ رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يأكل القثاء بالرطب‏.‏
وفي سنن أبي داود عن أنس قال‏:‏ كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم تكن رطبات فتمرات، فإن لم تكن تمرات، حسا حسوات من ماء‏.‏ طبع الرطب طبع المياه حار رطب، يقوي المعدة الباردة ويوافقها، ويزيد في الباه، ويخصب البدن، ويوافق أصحاب الأمزجة الباردة ويغذو غذاء كثيرًا‏.‏ وهو من أعظم الفاكهة موافقة لأهل المدينة وغيرها من البلاد التي هو فاكهتهم فيها، وأنفعها للبدن، وإن كان من لم يعتده يسرع التعفن في جسده، ويتولد عنه دم ليس بمحمود، ويحدث في إكثاره منه صداع وسوداء، ويؤذي أسنانه، وإصلاحه بالسكنجبين ونحوه‏.‏
وفي فطر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الصوم عليه، أو على التمر، أو الماء تدبير لطيف جدًا، فإن الصوم يخلي المعدة من الغذاء، فلا تجد الكبد فيها ما تجذبه وترسله إلى القوى والأعضاء، والحلو أسرع شيء وصولًا إلى الكبد، وأحبه إليها، ولا سيما إن كان رطبًا، فيشتد قبولها له، فتنتفع به هي والقوى، فإن لم يكن، فالتمر لحلاوته وتغذيته، فإن لم يكن، فحسوات الماء تطفئ لهيب المعدة، وحرارة الصوم، فتتنبه بعده للطعام، وتأخذه بشهوة‏.‏
ريحان
قال تعالى‏:‏ ‏{‏فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم‏}‏ ‏[‏الواقعة‏:‏ 88‏]‏‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏والحب ذو العصف والريحان‏}‏ ‏[‏الرحمن‏:‏ 12‏]‏‏.‏
وفي صحيح مسلم عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏من عرض عليه ريحان، فلا يرده، فإنه خفيف المحمل طيب الرائحة‏)‏‏.‏
وفي سنن ابن ماجه‏:‏ من حديث أسامة رضي الله عنه، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏ألا مشمر للجنة، فإن الجنة لا خطر لها، هي ورب الكعبة، نور يتلألأ، وريحانة تهتز، وقصر مشيد، ونهر مطرد وثمرة نضيجة، وزوجة حسناء جميلة، وحلل كثيرة في مقام أبدًا، في حبرة ونضرة، في دور عالية سليمة بهتة، قالوا‏:‏ نعم يا رسول الله، نحن المشمرون لها قال‏:‏ قولوا‏:‏ إن شاء الله تعالى، فقال القوم‏:‏ إن شاء الله‏)‏‏.‏
الريحان كل نبت طيب الريح، فكل أهل بلد يخصونه بشيء من ذلك، فأهل الغرب يخصونه بالآس، وهو الذي يعرفه العرب من الريحان، وأهل العراق والشام يخصونه بالحبق‏.‏
فأما الآس، فمزاجه بارد في الأولى، يابس في الثانية، وهو مع ذلك مركب من قوى متضادة، والأكثر فيه الجوهر الأرضي البارد، وفيه شيء حار لطيف، وهو يجفف تجفيفًا قويًا، وأجزاؤه متقاربة القوة، وهي قوة قابضة حابسة من داخل وخارج معًا‏.‏ وهو قاطع للإسهال الصفراوي، دافع للبخار الحار الرطب إذا شم، مفرح للقلب تفريحًا شديدًا، وشمه مانع للوباء، وكذلك افتراشه في البيت‏.‏
ويبرئ الأورام الحادثة في الحالبين إذا وضع عليها، وإذا دق ورقه وهو غض وضرب بالخل، ووضع على الرأس، قطع الرعاف، وإذا سحق ورقه اليابس، وذر على القروح ذوات الرطوبة نفعها، ويقوي الأعضاء الواعية إذا ضمد به، وينفع داء الداحس، وإذا ذر على البثور والقروح التي في اليدين والرجلين، نفعها‏.‏
وإذا دلك به البدن قطع العرق، ونشف الرطوبات الفضلية، وأذهب نتن الإبط، وإذا جلس في طبيخه، نفع من خراريج المقعدة والرحم، ومن استرخاء المفاصل، وإذا صب على كسور العظام التي لم تلتحم، نفعها‏.‏
ويجلو قشور الرأس وقروحه الرطبة، وبثوره، ويمسك الشعر المتساقط ويسوده، وإذا دق ورقه، وصب عليه ماء يسير، وخلط به شيء من زيت أو دهن الورد، وضمد به، وافق القروح الرطبة والنملة والحمرة، والأورام الحادة، والشرى والبواسير‏.‏
وحبه نافع من نفث الدم العارض في الصدر والرئة، دابغ للمعدة وليس بضار للصدر ولا الرئة لجلاوته، وخاصيته النفع من استطلاق البطن مع السعال، وذلك نادر في الأدوية، وهو مدر للبول، نافع من لذغ المثانة وعض الرتيلاء، ولسع العقارب، والتخلل بعرقه مضر، فليحذر‏.‏
وأما الريحان الفارسي الذي يسمى الحبق، فحار في أحد القولين، ينفع شمه من الصداع الحار إذا رش عليه الماء، ويبرد، ويرطب بالعرض، وبارد في الاخر، وهل هو رطب أو يابس‏؟‏ على قولين‏.‏ والصحيح‏:‏ أن فيه من الطبائع الأربع، ويجلب النوم،وبزره حابس للإسهال الصفراوي، ومسكن للمغص، مقو للقلب، نافع للأمراض السوداوية‏.‏
قال تعالى‏:‏ ‏{‏فيهما فاكهة ونخل ورمان‏}‏ ‏[‏الرحمن‏:‏ 68‏]‏‏.‏ ويذكر عن ابن عباس موقوفًا ومرفوعًا‏:‏ ‏(‏ما من رمان من رمانكم هذا إلا وهو ملقح بحبة من رمان الجنة‏)‏ والموقوف أشبه‏.‏ وذكر حرب وغيره عن علي أنه قال كلوا الرمان بشحمه، فإنه دباغ المعدة‏.‏
حلو الرمان حار رطب، جيد للمعدة، مقو لها بما فيه من قبض لطيف، نافع للحلق والصدر والرئة، جيد للسعال، ماؤه ملين للبطن، يغذو البدن غذاءً فاضلًا يسيرًا، سريع التحلل لرقته ولطافته، ويولد حرارة يسيرة في المعدة وريحًا، ولذلك يعين على الباه، ولا يصلح للمحمومين، وله خاصية عجيبة إذا أكل بالخبز يمنعه من الفساد في المعدة‏.‏ وحامضه بارد يابس، قابض لطيف، ينفع المعدة الملتهبة، ويدر البول أكثر من غيره من الرمان، ويسكن الصفراء، ويقطع الإسهال، ويمنع القيء، ويلطف الفضول‏.‏
ويطفئ حرارة الكبد ويقوي الأعضاء، نافع من الخفقان الصفراوي، والآلام العارضة للقلب، وفم المعدة، ويقوي المعدة، ويدفع الفضول عنها، ويطفئ المرة الصفراء والدم‏.‏
وإذا استخرج ماؤه بشحمه، وطبخ بيسير من العسل حتى يصير كالمرهم واكتحل به، قطع الصفرة من العين، ونقاها من الرطوبات الغليظة، وإذا لطخ على اللثة، نفع من الأكلة العارضة لها، وإن استخرج ماؤهما بشحمهما، أطلق البطن، وأحدر الرطوبات العفنة المرية، ونفع من حميات الغب المتطاولة‏.‏
وأما الرمان المز، فمتوسط طبعًا وفعلًا بين النوعين، وهذا أميل إلى لطافة الحامض قليلًا، وحب الرمان مع العسل طلاء للداحس والقروح الخبيثة، وأقماعه للجراحات، قالوا ومن ابتلع ثلاثة من جنبذ الرمان في كل سنة، أمن من الرمد سنته كلها‏.‏


حرف الزاي


زيت
قال تعالى‏:‏ ‏{‏يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار‏}‏ ‏[‏النور‏:‏35‏]‏‏.‏ وفي الترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏كلوا الزيت وادهنوا به، فإنه من شجرة مباركة‏)‏‏.‏
وللبيهقي، وابن ماجه أيضًا عن ابن عمر رضي الله عنه، قال‏:‏ قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏ائتدموا بالزيت، وادهنوا به، فإنه من شجرة مباركة‏)‏‏.‏
الزيت حار رطب في الأولى، وغلط من قال يابس، والزيت بحسب زيتونه، فالمعتصر من النضيج أعدله وأجوده، ومن الفج فيه برودة ويبوسة، ومن الزيتون الأحمر متوسط بين الزيتين، ومن الأسود يسخن ويرطب باعتدال، وينفع من السموم، ويطلق البطن، ويخرج الدود، والعتيق منه أشد تسخينًا وتحليلًا، وما استخرج منه بالماء، فهو أقل حرارة، وألطف وأبلغ في النفع، وجميع أصنافه ملينة للبشرة، وتبطئ الشيب‏.‏
وماء الزيتون المالح يمنع من تنفط حرق النار، ويشد اللثة، وورقه ينفع من الحمرة، والنملة، والقروح الوسخة، والشرى، ويمنع العرق، ومنافعه أضعاف ما ذكرنا‏.‏
زبد
روى أبو داود في سننه، عن ابني بسر السلميين رضي الله عنهما قالا‏:‏ دخل علينا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقدمنا له زبدًا وتمرًا، وكان يحب الزبد والتمر‏.‏
الزبد حار رطب، فيه منافع كثيرة، منها الإنضاج والتحليل، ويبرئ الأورام التي تكون إلى جانب الأذنين والحالبين، وأورام الفم، وسائر الأورام التي تعرض في أبدان النساء والصبيان إذا استعمل وحده، وإذا لعق منه، نفع في نفث الدم الذي يكون من الرئة، وأنضج الأورام العارضة فيها‏.‏ وهو ملين للطبيعة، والعصب، والأورام الصلبة العارضة من المرة السوداء والبلغم، نافع من اليبس العارض في البدن، واذا طلي به على منابت أسنان الطفل، كان معينًا على نباتها وطلوعها، وهو نافع من السعال العارض من البرد واليبس، ويذهب القوباء والخشونة التي في البدن، ويلين الطبيعة، ولكنه يضعف شهوة الطعام، ويذهب بوخامته الحلو، كالعسل والتمر، وفي جمعه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بين التمر وبينه من الحكمة إصلاح كل منهما بالآخر‏.‏
زبيب
روي فيه حديثان لا يصحان‏.‏ أحدهما ‏(‏نعم الطعام الزبيب يطيب النكهة، ويذيب البلغم‏)‏‏.‏ والثاني ‏(‏نعم الطعام الزبيب يذهب النصب، ويشد العصب، ويطفئ الغضب، ويصفي اللون، ويطيب النكهة‏)‏‏.‏ وهذا أيضًا لا يصح فيه شيء عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏.‏
وبعد فأجود الزبيب ما كبر جسمه، وسمن شحمه ولحمه، ورق قشره، ونزع عجمه، وصغر حبه‏.‏ وجرم الزبيب حار رطب في الأولى، وحبه بارد يابس، وهو كالعنب المتخذ منه، الحلو منه الحار، والحامض قابض بارد، والأبيض أشد قبضًا من غيره، وإذا أكل لحمه، وافق قصبة الرئة، ونفع من السعال، ووجع الكلى، والمثانة، ويقوي المعدة، ويلين البطن‏.‏
والحلو اللحم أكثر غذاء من العنب، وأقل غذاء من التين اليابس، وله قوة منضجة هاضمة قابضة محللة باعتدال، وهو بالجملة يقوي المعدة والكبد والطحال، نافع من وجع الحلق والصدر والرئة والكلى والمثانة، وأعدله أن يؤكل بغير عجمه‏.‏ وهو يغذي غذاء صالحًا، ولا يسدد كما يفعل التمر، وإذا أكل منه بعجمه كان أكثر نفعًا للمعدة والكبد والطحال، وإذا لصق لحمه على الأظافير المتحركة‏.‏
أسرع قلعها، والحلو منه وما لا عجم له نافع لأصحاب الرطوبات والبلغم، وهو يخصب الكبد، وينفعها بخاصيه‏.‏
وفيه نفع للحفظ قال الزهري من أحب أن يحفظ الحديث، فليأكل الزبيب، وكان المنصور يذكر عن جده عبد الله بن عباس عجمه داء، ولحمه دواء‏.‏
زنجبيل
قال تعالى ‏{‏ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا‏}‏ ‏[‏الإنسان‏:‏17‏]‏‏.‏ وذكر أبو نعيم في كتاب الطب النبوي من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال أهدى ملك الروم إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ جرة زنجبيل، فأطعم كل إنسان قطعة، وأطعمني قطعة‏.‏
الزنجبيل حار في الثانية، رطب في الأولى، مسخن معين على هضم الطعام، ملين للبطن تليينًا معتدلًا، نافع من سدد الكبد العارضة عن البرد والرطوبة، ومن ظلمة البصر الحادثة عن الرطوبة أكلًا واكتحالًا، معين على الجماع، وهو محلل للرياح الغليظة الحادثة في الأمعاء والمعدة‏.‏
وبالجملة فهو صالح للكبد والمعدة الباردتي المزاج، وإذا أخذ منه مع السكر وزن درهمين بالماء الحار، أسهل فضولًا لزجة لعابية، ويقع في المعجونات التي تحلل البلغم وتذيبه‏.‏
والمزي منه حار يابس يهيج الجماع، ويزيد في المني، ويسخن المعدة والكبد، ويعين على الاستمراء، وينشف البلغم الغالب على البدن ويزيد في الحفظ، ويوافق برد الكبد والمعدة، ويزيل بلتها الحادثة عن أكل الفاكهة، ويطيب النكهة، ويدفع به ضرر الأطعمة الغليظة الباردة‏.‏


حرف السين


سنا
قد تقدم، وتقدم سنوت أيضًا، وفيه سبعة أقوال، أحدها أنه العسل‏.‏
الثاني أنه رب عكة السمن يخرج خططًا سوداء على السمن‏.‏ الثالث أنه حب يشبه الكمون، وليس بكمون‏.‏ الرابع الكمون الكرماني‏.‏ الخامس أنه الشبت، السادس أنه التمر‏.‏ السابع أنه الرازيانج‏.‏
سفرجل
روى ابن ماجه في سننه من حديث إسماعيل بن محمد الطلحي، عن نقيب بن حاجب، عن أبي سعيد، عن عبد الملك الزبيري، عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال دخلت على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبيده سفرجلة، فقال ‏(‏دونكها يا طلحة، فإنها تجم الفؤاد‏)‏‏.‏
ورواه النسائي من طريق آخر، وقال أتيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو في جماعة من أصحابه، وبيده سفرجلة يقلبها، فلما جلست إليه، دحا بها إلي ثم قال ‏(‏دونكها أبا ذر، فإنها تشد القلب، وتطيب النفس، وتذهب بطخاء الصدر‏)‏‏.‏
وقد روي في السفرجل أحاديث أخر، هذا أمثلها، ولا تصح‏.‏
والسفرجل بارد يابس، ويختلف في ذلك باختلاف طعمه، وكله بارد قابض، جيد للمعدة، والحلو منه أقل برودة ويبسًا، وأميل إلى الإعتدال، والحامض أشد قبضًا ويبسًا وبرودة، وكله يسكن العطس والقئ، ويدر البول، ويعقل الطبع، وينفع من قرحة الأمعاء، ونفث الدم، والهيضة، وينفع من الغثيان، ويمنع من تصاعد الأبخرة إذا استعمل بعد الطعام، وحراقة أغصانه وورقه المغسولة كالتوتياء في فعلها‏.‏ وهو قبل الطعام يقبض، وبعده يلين الطبع، ويسرع بانحدار الثفل، والإكثار منه مضر بالعصب، مولد للقولنج، ويطفئ المرة الصفراء المتولدة في المعدة‏.‏
وإن شوي كان أقل لخشونته، وأخف، وإذا قور وسطه، ونزع حبه، وجعل فيه العسل، وطين جرمه بالعجين، وأودع الرماد الحار، نفع نفعًا حسنًا‏.‏
وأجود ما أكل مشويًا أو مطبوخًا بالعسل، وحبه ينفع من خشونة الحلق، وقصبة الرئة، وكثير من الأمراض، ودهنه يمنع العرق، ويقوي المعدة، والمربى منه يقوي المعدة والكبد، ويشد القلب، ويطيب النفس‏.‏
ومعنى تجم الفؤاد تريحه‏.‏ وقيل تفتحه وتوسعه، من جمام الماء، وهو اتساعه وكثرته، والطخاء للقلب مثل الغيم على السماء‏.‏ قال أبو عبيد الطخاء ثقل وغشي، تقول ما في السماء طخاء، أي سحاب وظلمة‏.‏
سواك
في الصحيحين عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏لو لا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة‏)‏‏.‏
وفيهما أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك‏.‏
وفي صحيح البخاري تعليقًا عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ‏)‏‏.‏
وفي صحيح مسلم أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان إذا دخل بيته، بدأ بالسواك‏.‏
والأحاديث فيه كثيرة، وصح عنه من حديث أنه استاك عند موته بسواك عبد الرحمن بن أبي بكر، وصح عنه أنه قال‏:‏ ‏(‏أكثرت عليكم في السواك‏)‏‏.‏
وأصلح ما اتخذ السواك من خشب الأراك ونحوه، ولا ينبغي أن يؤخذ من شجرة مجهولة، فربما كانت سمًا، وينبغي القصد في استعماله، فإن بالغ فيه، فربما أذهب طلاوة الأسنان وصقالتها، وهيأها لقبول الأبخرة المتصاعدة من المعدة والأوساخ، ومتى استعمل باعتدال، جلا الأسنان، وقوى العمود، وأطلق اللسان، ومنع الحفر، وطيب النكهة، ونقى الدماغ وشهى الطعام‏.‏
وأجود ما استعمل مبلولًا بماء الورد، ومن أنفعه أصول الجوز، قال صاحب التيسير زعموا أنه إذا استاك به المستاك كل خامس من الأيام، نقى الرأس، وصفى الحواس، وأحد الذهن‏.‏
وفي السواك عدة منافع يطيب الفم، ويشد اللثة، ويقطع البلغم، ويجلو البصر، ويذهب بالحفر، ويصح المعدة، ويصفي الصوت، ويعين على هضم الطعام، ويسهل مجاري الكلام، وينشط للقراءة، والذكر والصلاة، ويطرد النوم، ويرضي الرب، ويعجب الملائكة، ويكثر الحسنات‏.‏
يستحب كل وقت، ويتأكد عند الصلاة والوضوء، والإنتباه من النوم، وتغيير رائحة الفم، ويستحب للمفطر والصائم في كل وقت لعموم الأحاديث فيه، ولحاجة الصائم إليه، ولأنه مرضاة للرب، ومرضاته مطلوبة في الصوم أشد من طلبها في الفطر، ولأنه مطهرة للفم، والطهور للصائم من أفضل أعماله‏.‏
في السنن عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه، قال رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما لا أحصي يستاك، وهو صائم وقال البخاري قال‏:‏ ابن عمر يستاك أول النهار وآخره‏.‏
أجمع الناس على أن الصائم يتمضمض وجوبًا واستحبابًا، والمضمضة أبلغ من السواك، وليس لله غرض في التقرب إليه بالرائحة الكريهة، ولا هي من جنس ما شرع التعبد به، وإنما ذكر طيب الخلوف عند الله يوم القيامة حثًا منه على الصوم، لا حثًا على إبقاء الرائحة، بل الصائم أحوج إلى السواك من المفطر‏.‏ وأيضًا فإن رضوان الله أكبر من استطابته لخلوف فم الصائم‏.‏ وأيضًا فإن محبته للسواك أعظم من محبته لبقاء خلوف فم الصائم‏.‏
أيضًا فإن السواك لا يمنع طيب الخلوف الذي يزيله السواك عند الله يوم القيامة، بل يأتي الصائم يوم القيامة، وخلوف فمه أطيب من المسك علامة على صيامه، ولو أزاله بالسواك، كما أن الجريح يأتي يوم القيامة، ولون دم جرحه لون الدم، وريحه ريح المسك، وهو مأمور بإزالته في الدنيا‏.‏
وأيضًا فإن الخلوف لا يزول بالسواك، فإن سببه قائم، وهو خلو المعدة عن الطعام، وإنما يزول أثره، وهو المنعقد على الأسنان واللثة‏.‏
وأيضًا فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ علم أمته ما يستحب لهم في الصيام، وما يكره لهم، ولم يجعل السواك من القسم المكروه، وهو يعلم أنهم يفعلونه، وقد حضهم عليه بأبلغ ألفاظ العموم والشمول، وهم يشاهدونه يستاك وهو صائم مرارًا كثيرة تفوت الإحصاء، ويعلم أنهم يقتدون به، ولم يقل لهم يومًا من الدهر لا تستاكوا بعد الزوال، وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع، والله أعلم‏.‏
سمن
روى محمد بن جرير الطبري بإسناده، من حديث صهيب يرفعه ‏(‏عليكم بألبان البقر، فإنها شفاء، وسمنها دواء، ولحومها داء‏)‏‏.‏ رواه عن أحمد بن الحسن الترمذي، حدثنا محمد بن موسى النسائي، حدثنا دفاع بن دغفل السدوسي، عن عبد الحميد بن صيفي بن صهيب، عن أبيه عن جده، ولا يثبت ما في هذا الإسناد‏.‏
والسمن حار رطب في الأولى، وفيه جلاء يسير، ولطافة وتفشية الأورام الحادثة من الأبدان الناعمة، وهو أقوى من الزبد في الإنضاج والتليين، وذكر جالينوس أنه أبرأ به الأورام الحادثة في الأذن، وفي الأرنبة، وإذا دلك به موضع الأسنان، نبتت سريعًا، وإذا خلط مع عسل ولوز مر، جلا ما في الصدر والرئة، والكيموسات الغليظة اللزجة، إلا أنه ضار بالمعدة، سيما إذا كان مزاج صاحبها بلغميًا‏.‏
وأما سمن البقر والمعز، فإنه إذا شرب مع العسل نفع من شرب السم القاتل ومن لدغ الحيات والعقارب، وفي كتاب ابن السني، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال لم يستشف الناس بشيء أفضل من السمن‏.‏
سمك
روى الإمام أحمد بن حنبل، وابن ماجه في سننه من حديث عبد الله بن عمر، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏أحلت لنا ميتتان ودمان السمك والجراد، والكبد والطحال‏)‏‏.‏
أصناف السمك كثيرة، وأجوده ما لذ طعمه، وطاب ريحه، وتوسط مقداره، وكان رقيق القشر، ولم يكن صلب اللحم ولا يابسه، وكان في ماء عذب حار على الحصباء، ويغتذي بالنبات لا الأقذار، وأصلح أماكنه ما كان في نهر جيد الماء، وكان يأوي إلى الأماكن الصخرية، ثم الرملية، والمياه الجارية العذبة التي لا قذر فيها، ولا حمأة، الكثيرة الاضطراب والتموج، المكشوفة للشمس والرياح‏.‏
والسمك البحري فاضل، محمود، لطيف، والطري منه بارد رطب، عسر الإنهضام، يولد بلغمًا كثيرًا، إلا البحري وما جرى مجراه، فانه يولد خلطًا محمودًا، وهو يخصب البدن، ويزيد في المني، ويصلح الأمزجة الحارة‏.‏
وأما المالح، فأجوده ما كان قريب العهد بالتملح، وهو حار يابس، وكلما تقادم عهده ازداد حره ويبسه، والسلور منه كثير اللزوجة، ويسمى الجري، واليهود لا تأكله، وإذا أكل طريًا، كان ملينًا للبطن، وإذا ملح وعتق وأكل، صفى قصبة الرئة، وجود الصوت، وإذا دق ووضع من خارج، أخرج السلى والفضول من عمق البدن من طريق أن له قوة جاذبة‏.‏
وماء ملح الجري المالح إذا جلس فيه من كانت به قرحة الأمعاء في ابتداء العلة، وافقه بجذبه المواد إلى ظاهر البدن، واذا احتقن به، أبرأ من عرق النسا‏.‏
أبرد ما في السمك ما قرب من مؤخرها، والطري السمين منه يخصب البدن لحمه وودكه‏.‏ وفي الصحيحين من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال بعثنا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ثلاثمائة راكب، وأميرنا أبو عبيدة بن الجراح، فأتينا الساحل، فأصابنا جوع شديد، حتى أكلنا الخبط، فألقى لنا البحر حوتًا يقال لها عنبر، فأكلنا منه نصف شهر، وائتدمنا بودكه حتى ثابت أجسامنا، فأخذ أبو جميدة ضلعًا من أضلاعه، وحمل رجلًا على بعيره، ونصبه، فمر تحته‏.‏
سلق
روى الترمذي وأبو داود، عن أم المنذر، قالت‏:‏ ‏(‏دخل علي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومعه علي رضي الله عنه، ولنا دوال معلقة، قالت فجعل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يأكل وعلي معه يأكل، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مه يا علي فإنك ناقه، قالت فجعلت لهم سلقًا وشعيرًا، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يا علي فأصب من هذا، فإنه أوفق لك‏)‏‏.‏ قال الترمذي حديث حسن غريب‏.‏
السلق حار يابس في الأولى، وقيل رطب فيها، وقيل مركب منهما، وفيه برودة ملطفة، وتحليل‏.‏ وتفتيح، وفي الأسود منه قبض ونفع من داء الثعلب، والكلف، والحزاز، والثآليل إذا طلي بمائه، ويقتل القمل، ويطلى به القوباء مع العسل، ويفتح سدد الكبد والطحال، وأسوده يعقل البطن، ولا سيما مع العدس، وهما رديئان‏.‏ والأبيض يلين مع العدس، ويحقن بمائه للإسهال، وينفع من القولنج مع المري والتوابل، وهو قليل الغذاء، رديء الكيموس، يحرق الدم، ويصلحه الخل والخردل، والإكثار منه يولد القبض والنفخ‏.‏


حرف الشين


شونيز
هو الحبة السوداء، وقد تقدم في حرف الحاء‏.‏ شبرم روى الترمذي، وابن ماجه في سننهما من حديث أسماء بن عميس، قالت قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ (‏بماذا كنت تستمشين‏؟‏ قالت بالشبرم‏.‏ قال حار جار‏)‏‏.‏
الشبرم
شجر صغير وكبير، كقامة الرجل وأرجح، له قضبان حمر ملمعة ببياض، وفي رؤوس قضبانه جمة من ورق، وله نور صغار أصفر إلى البياض، يسقط ويخلفه مراود صغار فيها حب صغير مثل البطم، قي قدره، أحمر اللون، ولها عروق عليها قشور حمر، والمستعمل منه قشر عروقه، ولبن قضبانه‏.‏
وهو حار يابس في الدرجة الرابعة، ويسهل السوداء، والكيموسات الغليظة، والماء الأصفر، والبلغم، مكرب، مغث، والإكثار منه يقتل، وينبغي إذا استعمل أن ينقع في اللبن الحليب يومًا وليلة، ويغير عليها اللبن في اليوم مرتين أو ثلاثًا، ويخرج، ويجفف في الظل، ويخلط معه الورود والكثيراء، ويشرب بماء العسل، أو عصير العنب، والشربة منه ما بين أربع دوانق على حسب القوة، قال حنين أما لبن الشبرم، فلا خير فيه، ولا أرى شربه البتة، فقد قتل به أطباء الطرقات كثيرًا من الناس‏.‏

شعير
روى ابن ماجه من حديث عائشة، قالت‏:‏ كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا أخذ أحدًا من أهله الوعك، أمر بالحساء من الشعير، فصنع، ثم أمرهم فحسوا منه، ثم يقول‏:‏ ‏(‏إنه ليرتو فؤاد الحزين ويسرو فؤاد السقيم كما تسروا إحداكن الوسخ بالماء عن وجهها‏)‏‏.‏ ومعنى يرتوه يشده ويقويه‏.‏ ويسرو، يكشف، ويزيل‏.‏ وقد تقدم أن هذا هو ماء الشعير المغلي، وهو أكثر غذاء من سويقه، وهو نافع للسعال، وخشونة الحلق، صالح لقمع حدة الفضول، مدر للبول، جلاء لما في المعدة، قاطع للعطس، مطفئ للحرارة، وفيه قوة يجلو بها ويلطف ويحلل‏.‏
وصفته أن يؤخذ من الشعير الجيد المرضوض مقدار، ومن الماء الصافي العذب خمسة أمثاله، ويلقى في قدر نظيف، ويطبخ بنار معتدلة إلى أن يبقى منه خمساه، ويصفى، ويستعمل منه مقدار الحاجة محلًا‏.‏
شواء
قال الله تعالى في ضيافة خليله إبراهيم عليه السلام لأضيافه‏:‏ ‏{‏فما لبث أن جاء بعجل حنيذ‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 69‏]‏ والحنيذ المشوي على الرضف، وهي الحجارة المحماة‏.‏
وفي الترمذي عن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ أنها قربت إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ جنبًا مشويًا، فأكل منه ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ‏.‏ قال الترمذي حديث صحيح‏.‏
وفيه أيضًا عن عبد الله بن الحارث‏.‏ قال‏:‏ أكلنا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ شواء في المسجد‏.‏ وفيه أيضًا عن المغيرة بن شعبة قال‏:‏ ضفت مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذات ليلة، فأمر بجنب، فشوي، ثم أخذ الشفرة، فجعل يحز لي بها منه، قال فجاء بلال يؤذن للصلاة، فألقى الشفرة فقال ‏(‏ما له تربت يداه‏)‏‏.‏
أنفع الشواء شواء الضأن الحولي، ثم العجل اللطيف السمين، وهو حار رطب إلى اليبوسة، كثير التوليد للسوداء، وهو من أغذية الأقوياء والأصحاء والمرتاضين، والمطبوخ أنفع وأخف على المعدة، وأرطب منه، ومن المطجن‏.‏
وأردؤه المشوي في الشمس، والمشوي على الجمر خير من المشوي باللهب، وهو الحنيذ‏.‏
شحم
ثبت في المسند عن أنس، أن يهوديًا أضاف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقدم له خبز شعير، وإهالة سنخة، والإهالة الشحم المذاب، والألية، والسنخة المتغيرة‏.‏ وثبت في الصحيح عن عبد الله بن مغفل، قال‏:‏ دلي جراب من شحم يوم خيبر، فالتزمته وقلت والله لا أعطي أحدًا منه شيئًا فالتفت، فإذا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يضحك، ولم يقل شيئًا‏.‏
أجود الشحم ما كان من حيوان مكتمل، وهو حار رطب، وهو أقل رطوبة من السمن، ولهذا لو أذيب الشحم والسمن كان الشحم أسرع جمودًا، وهو ينفع من خشونة الحلق، ويرخي ويعفن، ويدفع ضرره بالليمون المملوح، والزنجبيل، وشحم المعز أقبض الشحوم، وشحم التيوس أشد تحليلًا، وينفع من قروح الأمعاء وشحم العنز أقوى في ذلك، ويحتقن به للسحج والزحير‏.


حرف الصاد


صلاة
قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 45‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين‏}‏‏.‏ ‏[‏البقرة‏:‏153‏]‏‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقًا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 132‏]‏‏.‏
وفي السنن كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا حزبه أمر، فزع إلى الصلاة‏.‏
وقد تقدم ذكر الاستشفاء بالصلاة من عامة الأوجاع قبل استحكامها‏.‏ والصلاة مجلبة للرزق، حافظة للصحة، دافعة للأذى، مطردة للأدواء، مقوية للقلب، مبيضة للوجه، مفرحة للنفس، مذهبة للكسل، منشطة للجوارح، ممدة للقوى، شارحة للصدر مغذية للروح، منورة للقلب، حافظة للنعمة، دافعة للنقمة، جالبة للحركة، مبعدة من الشيطان، مقربة من الرحمن‏.‏
وبالجملة فلها تأثير عجيب في حفظ صحة البدن والقلب، وقواهما ودفع المواد الرديئة عنهما، وما ابتلي رجلان بعاهة أو داء أو محنة أو بلية إلا كان حظ المصلي منهما أقل، وعاقبته أسلم‏.‏
وللصلاة تأثير عجيب في دفع شرور الدنيا، ولا سيما إذا أعطيت حقها من التكميل ظاهرًا وباطنًا، فما استدفعت شرور الدنيا والآخرة، ولا استجلبت مصالحهما بمثل الصلاة، وسر ذلك أن الصلاة صلة بالله عز وجل، وعلى قدر صلة العبد بربه عز وجل تفتح عليه من الخيرات أبوابها، وتقطع عنه من الشرور أسبابها، وتفيض عليه مواد التوفيق من ربه عز وجل، والعافية والصحة، والغنيمة والغنى، والراحة والنعيم، والأفراح والمسرات، كلها محضرة لديه، ومسارعة إليه‏.‏
صبر
‏(‏الصبر نصف الإيمان‏)‏، فإنه ماهية مركبة من صبر وشكر، كما قال بعض السلف‏:‏ الإيمان نصفان نصف صبر، ونصف شكر، قال تعالى‏:‏ ‏{‏إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور‏}‏ ‏[‏إبراهيم‏:‏ 5‏]‏ والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، وهو ثلاثة أنواع صبر على فرائض الله، فلا يضيعها، وصبر عن محارمه، فلا يرتكبها وصبر على أقضيته وأقداره، فلا يتسخطها، ومن استكمل هذه المراتب الثلاث، استكمل الصبر، ولذة الدنيا والآخرة ونعيمها، والفوز والظفر فيهما، لا يصل إليه أحد إلا على جسر الصبر، كما لا يصل أحد إلى الجنة إلا على الصراط، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه خير عيش أدركناه بالصبر‏.‏ وإذا تأملت مراتب الكمال المكتسب في العالم، رأيتها كلها منوطة بالصبر، وإذا تأملت النقصان الذي يذم صاحبه عليه، ويدخل تحت قدرته، رأيته كله من عدم الصبر، فالشجاعة والعفة، والجود والإيثار كله صبر ساعة‏.‏
فالصبر طلسم على كنز العلى ** من حل ذا الطلسم فاز بكنزه
وأكثر أسقام البدن والقلب، إنما تنشأ من عدم الصبر، فما حفظت صحة القلوب والأبدان والأرواح بمثل الصبر، فهو الفاروق الأكبر، والترياق الأعظم، ولو لم يكن فيه إلا معية الله مع أهله، فإن الله مع الصابرين ومحبته لهم، فإن الله يحب الصابرين، ونصره لأهله، فإن النصر مع الصبر، وإنه خير لأهله، ‏{‏ولئن صبرتم لهو خير للصابرين‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 126‏]‏، وإنه سبب الفلاح ‏{‏يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏200‏]‏‏
روى أبو داود في كتاب المراسيل من حديث قيس بن رافع القيسي، أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏ماذا في الأمرين من الشفاء‏؟‏ الصبر والثفاء‏)‏‏.‏ وفي السنن لأبي داود من حديث أم سلمة، قالت‏:‏ ‏(‏دخل علي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين توفي أبو سلمة، وقد جعلت علي صبرًا، فقال ماذا يا أم سلمة‏؟‏ فقلت إنما هو صبر يا رسول الله، ليس فيه طيب، قال‏:‏ إنه يشب الوجه، فلا تجعليه إلا بالليل‏)‏‏.‏ ونهى عنه بالنهار‏.‏
الصبر كثير المنافع، لا سيما الهندي منه، ينقي الفضول الصفراوية التي في الدماغ، وأعصاب البصر، وإذا طلي على الجبهة والصدغ بدهن الورد، نفع من الصداع، وينفع من قروح الأنف والفم، ويسهل السوداء والماليخوليا‏.‏
والصبر الفارسي يذكي العقل، ويمد الفؤاد، وينقي الفضول الصفراوية والبلغمية من المعدة إذا شرب منه ملعقتان بماء، ويرد الشهوة الباطلة والفاسدة، وإذا شرب في البرد، خيف أن يسهل دمًا‏.‏
صوم
الصوم جنة من أدواء الروح والقلب والبدن، منافعه تفوت الإحصاء، وله تأثير عجيب في حفظ الصحة، وإذابة الفضلات، وحبس النفس عن تناول مؤذياتها، ولا سيما إذا كان باعتدال وقصد في أفضل أوقاته شرعًا، وحاجة البدن إليه طبعًا‏.‏
ثم إن فيه من إراحة القوى والأعضاء ما يحفظ عليها قواها، وفيه خاصية تقتضي إيثاره، وهي تفريحه للقلب عاجلًا وآجلًا، وهو أنفع شيء لأصحاب الأمزجة الباردة والرطبة، وله تأثير عظيم في حفظ صحتهم‏.‏
وهو يدخل في الأدوية الروحانية والطبيعية، وإذا راعى الصائم فيه ما ينبغي مراعاته طبعًا وشرعًا، عظم انتفاع قلبه وبدنه به، وحبس عنه المواد الغريبة الفاسدة التي هو مستعد لها، وأزال المواد الرديئة الحاصلة بحسب كماله ونقصانه، ويحفظ الصائم مما ينبغي أن يتحفظ منه، ويعينه على قيامه بمقصود الصوم وسره وعلته الغائية، فإن القصد منه أمر آخر وراء ترك الطعام والشراب، وباعتبار ذلك الأمر اختص من بين الأعمال بأنه لله سبحانه، ولما كان وقاية وجنة بين العبد وبين ما يؤذي قلبه وبدنه عاجلًا وآجلًا، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏183‏]‏، فأحد مقصودي الصيام الجنة والوقاية، وهي حمية عظيمة النفع، والمقصود الآخر، اجتماع القلب والهم على الله تعالى، وتوفير قوى النفس على محابه وطاعته، وقد تقدم الكلام في بعض أسرار الصوم عند ذكر هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيه‏.‏


حرف الضاد


ضب
ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس، ‏(‏أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سئل عنه لما قدم إليه، وامتنع من أكله أحرام هو‏؟‏ فقال‏:‏ لا ولكن لم يكن بأرض قومي، فأجدني أعافه‏.‏ وأكل بين يديه وعلى مائدته وهو ينظر‏)‏‏.‏
وفي الصحيحين‏:‏ من حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ، عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏لا أحله ولا أحرمه‏)‏‏.‏
وهو حار يابس، يقوي شهوة الجماع، وإذا دق، ووضع على موضع الشوكة اجتذبها‏.‏ ضفدع قال الإمام أحمد الضفدع لا يحل في الدواء، نهى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن قتلها، يريد الحديث الذي رواه في مسنده من حديث عثمان بن عبد الرحمن رضي الله عنه، أن طبيبًا ذكر ضفدعًا في دواء عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فنهاه عن قتلها‏.‏
قال صاحب القانون من أكل من دم الضفدع أو جرمه، ورم بدنه، وكمد لونه، وقذف المني حتى يموت، ولذلك ترك الأطباء استعماله خوفًا من ضرره، وهي نوعان مائية وترابية، والترابية يقتل أكلها‏.‏


حرف الطاء


طيب
ثبت عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏حبب إلي من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة‏)‏‏.‏
وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يكثر التطيب، وتشتد عليه الرائحة الكريهة، وتشق عليه، والطيب غذاء الروح التي هي مطية القوى تتضاعف وتزيد بالطيب، كما تزيد بالغذاء والشراب، والدعة والسرور، ومعاشرة الأحبة، وحدوث الأمور المحبوبة، وغيبة من تسر غيبته، ويثقل على الروح مشاهدته، كالثقلاء والبغضاء، فإن معاشرتهم توهن القوى، وتجلب الهم والغم، وهي للروح بمنزلة الحمى للبدن، وبمنزلة الرائحة الكريهة، ولهذا كان مما حبب الله سبحانه الصحابة بنهيهم عن التخلق بهذا الخلق في معاشرة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لتأذيه بذلك، فقال‏:‏ ‏{‏إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏53‏]‏‏.‏
والمقصود أن الطيب كان من أحب الأشياء إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وله تأثير في حفظ الصحة، ودفع كثير من الآلام، وأسبابها بسبب قوة الطبيعة به‏.‏
طين
ورد في أحاديث موضوعة لا يصح منها شيء مثل حديث ‏(‏من أكل الطين، فقد أعان على قتل نفسه‏)‏‏.‏ ومثل حديث ‏(‏يا حميراء لا تأكلي الطين فإنه يعصم البطن، ويصفر اللون، ويذهب بهاء الوجه‏)‏‏.‏
وكل حديث في الطين فإنه لا يصح، ولا أصل له عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا أنه رديء مؤذ، يسد مجاري العروق، وهو بارد يابس، قوي التجفيف، ويمنع استطلاق البطن، ويوجب نفث الدم وقروح الفم‏.‏
طلح
قال تعالى‏:‏ ‏{‏وطلح منضود‏}‏ ‏[‏الواقعة‏:‏29‏]‏، قال أكثر المفسرين، هو الموز‏.‏ والمنضود هو الذي قد نضد بعضه على بعض، كالمشط‏.‏ وقيل الطلح الشجر ذو الشوك، نضد مكان كل شوكة ثمرة، فثمره قد نضد بعضه إلى بعض، فهو مثل الموز، وهذا القول أصح، ويكون من ذكر الموز من السلف أراد التمثيل لا التخصيص والله أعلم‏.‏
وهو حار رطب، أجوده النضيج الحلو، ينفع من خشونة الصدر والرئة والسعال، وقروح الكليتين، والمثانة، ويدر البول، ويزيد في المني، ويحرك الشهوة للجماع، ويلين البطن، ويؤكل قبل الطعام، ويضر المعدة، ويزيد في الصفراء والبلغم، ودفع ضرره بالسكر أو العسل‏.‏
طلع
قال تعالى‏:‏ ‏{‏والنخل باسقات لها طلع نضيد‏}‏ ‏[‏ق‏:‏ 10‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ونخل طلعها هضيم‏}‏ ‏[‏الشعراء‏:‏148‏]‏‏.‏
طلع النخل ما يبدو من ثمرته في أول ظهوره، وقشره يسمى الكفرى، والنضيد المنضود الذي قد نضد بعضه على بعض، وإنما يقال له نضيد ما دام في كفراه، فإذا انفتح فليس بنضيد‏.‏
وأما الهضيم فهو المنضم بعضه إلى بعض، فهو كالنضيد أيضًا، وذلك يكون قبل تشقق الكفرى منه‏.‏
والطلع نوعان ذكر وأنثى، والتلقيح هو أن يؤخذ من الذكر، وهو مثل دقيق الحنطة، فيجعل في الأنثى، وهو التأبير، فيكون ذلك بمنزلة اللقاح بين الذكر والأنثى، وقد روى مسلم في صحيحه عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، قال مررت مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في نخل، فرأى قومًا يلقحون، فقال‏:‏ ‏(‏ما يصنع هؤلاء‏؟‏ قالوا‏:‏ يأخذون من الذكر فيجعلونه في الأنثى، قال ما أظن ذلك يغني شيئًا، فبلغهم، فتركوه، فلم يصلح، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إنما هو ظن، فإن كان يغني شيئًا، فاصنعوه، فإنما أنا بشر مثلكم، وإن الظن يخطئ ويصيب، ولكن ما قلت لكم عن الله عز وجل‏.‏ فلن أكذب على الله ‏)‏‏.‏ انتهى‏.‏
طلع النخل
ينفع من الباه، ويزيد في المباضعة، ودقيق طلعه إذا تحملت به المرأة قبل الجماع أعان على الحبل إعانة بالغة، وهو في البرودة واليبوسة في الدرجة الثانية، يقوي المعدة ويجففها، ويسكن ثائرة الدم مع غلظة وبطء هضم‏.‏ ولا يحتمله إلا أصحاب الأمزجة الحارة، ومن أكثر منه فإنه ينبغي أن يأخذ عليه شيئًا من الجوارشات الحارة، وهو يعقل الطبع، ويقوي الأحشاء، والجمار يجري مجراه، وكذلك البلح، والبسر، والإكثار منه يضر بالمعدة والصدر، وربما أورث القولنج، وإصلاحه بالسمن، أو بما تقدم ذكره‏.‏


حرف العين


عنب
في الغيلانيات من حديث حبيب بن يسار، عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال‏:‏ ‏(‏رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يأكل العنب خرطًا‏)‏‏.‏ قال أبو جعفر العقيلي لا أصل لهذا الحديث، قلت وفيه داود ابن عبد الجبار أبو سليم الكوفي، قال يحيى بن معين كان يكذب‏.‏
ويذكر عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه كان يحب العنب والبطيخ‏.‏
وقد ذكر الله سبحانه العنب في ستة مواضع من كتابه في جملة نعمه التي أنعم بها على عباده في هذه الدار وفي الجنة، وهو من أفضل الفواكه وأكثرها منافع، وهو يؤكل رطبًا ويابسًا، وأخضر ويانعًا، وهو فاكهة مع الفواكه، وقوت مع الأقوات، وأدم مع الإدام، ودواء مع الأدوية، وشراب مع الأشربة، وطبعه طبع الحبات الحرارة والرطوبة، وجيده الكبار المائي، والأبيض أحمد من الأسود إذا تساويا في الحلاوة، والمتروك بعد قطفه يومين أو ثلاثة أحمد من المقطوف في يومه، فإنه منفخ مطلق للبطن، والمعلق حتى يضمر قشره جيد للغذاء، مقو للبدن، وغذاؤه كغذاء التين والزبيب، وإذا ألقي عجم العنب كان أكثر تليينًا للطبيعة، والإكثار منه مصدع للرأس، ودفع مضرته بالرمان المز‏.‏
ومنفعة العنب يسهل الطبع، ويسمن، ويغذو جيده غذاء حسنًا، وهو أحد الفواكه الثلاث التي هي ملوك الفواكه، هو والرطب والتين‏.‏
عسل
قد تقدم ذكر منافعه‏.‏ قال ابن جريج قال الزهري عليك بالعسل، فإنه جيد للحفظ، وأجوده أصفاه وأبيضه، وألينه حدة، وأصدقه حلاوة، وما يؤخذ من الجبال والشجر له فضل على ما يؤخذ من الخلايا، وهو بحسب مرعى نحله‏.‏
عجوة
في الصحيحين من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر‏)‏‏.‏
وفي سنن النسائي وابن ماجه من حديث جابر، وأبي سعيد ـ رضي الله عنهما ـ، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏العجوة من الجنة، وهي شفاء من السم، والكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين‏)‏‏.‏
وقد قيل إن هذا في عجوة المدينة، وفي أحد أصناف التمر بها، ومن أنفع تمر الحجاز على الإطلاق، وهو صنف كريم، ملذذ، متين للجسم والقوة، من ألين التمر وأطيبه وألذه، وقد تقدم ذكر التمر وطبعه ومنافعه في حرف التاء، والكلام على دفع العجوة للسم والسحر، فلا حاجة لإعادته‏.‏
عنبر
تقدم في الصحيحين من حديث جابر، في قصة أبي عبيدة وأكلهم من العنبر شهرًا، وأنهم تزودوا لحمه وشائق إلى المدينة، وأرسلوا منه إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو أحد ما يدل على أن إباحة ما في البحر لا يختص بالسمك، وعلى أن ميتته حلال، واعترض على ذلك بأن البحر ألقاه حيًا، ثم جزر عنه الماء، فمات، وهذا حلال، فإن موته بسبب مفارقته للماء، وهذا لا يصح، فإنهم إنما وجدوه ميتًا بالساحل، ولم يشاهدوه قد خرج عنه حيًا، ثم جزر عنه الماء‏.‏ وأيضًا فلو كان حيًا لما ألقاه البحر إلى ساحله، فإنه من المعلوم أن البحر إنما يقذف إلى ساحله الميت من حيواناته لا الحي منها‏.‏
وأيضًا فلو قدر احتمال ما ذكروه لم يجز أن يكون شرطًا في الإباحة، فإنه لا يباح الشيء مع الشك في سبب إباحته، ولهذا منع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أكل الصيد إذا وجده الصائد غريقًا في الماء للشك في سبب موته، هل هو الآلة أم الماء ‏؟‏‏.‏
وأما العنبر الذي هو أحد أنواع الطيب، فهو من أفخر أنواعه بعد المسك، وأخطأ من قدمه على المسك، وجعله سيد أنواع الطيب، وقد ثبت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال في المسك ‏(‏هو أطيب الطيب‏)‏، وسيأتي إن شاء الله تعالى ذكر الخصائص والمنافع التي خص بها المسك، حتى إنه طيب الجنة، والكثبان التي هي مقاعد الصديقين هناك من مسك لا من عنبر‏.‏ والذي غير هذا القائل أنه لا يدخله التغير على طول الزمان، فهو كالذهب، وهذا يدل على أنه أفضل من المسك، فإنه بهذه الخاصية الواحدة لا يقاوم ما في المسك من الخواص‏.‏
وبعد فضروبه كثيرة، وألوانه مختلفة، فمنه الأبيض، والأشهب، والأحمر، والأصفر، والأخضر، والأزرق، والأسود، وذو الألوان وأجوده الأشهب، ثم الأزرق، ثم الأصفر، وأردؤه الأسود‏.‏ وقد اختلف الناس في عنصره، فقالت طائفة هو نبات ينبت في قعر البحر، فيبتلعه بعض دوابه، فإذا ثملت منه قذفته رجيعًا، فيقذفه البحر إلى ساحله‏.‏ وقيل طل ينزل من السماء في جزائر البحر، فتلقيه الأمواج إلى الساحل، وقيل روث دابة بحرية تشبه البقرة‏.‏ وقيل بل هو جفاء من جفاء البحر، أي زبد‏.‏
قال صاحب القانون هو فيما يظن ينبع من عين في البحر، والذي يقال إنه زبد البحر، أو روث دابة بعيد انتهى‏.‏
ومزاجه حار يابس، مقو للقلب، والدماغ، والحواس، وأعضاء البدن، نافع من الفالج واللقوة، والأمراض البلغمية، وأوجاع المعدة الباردة، والرياح الغليظة، ومن السدد إذا شرب، أو طلي به من خارج، وإذا تبخر به، نفع من الزكام والصداع، والشقيقة الباردة‏.‏
ينفع من الباه، ويزيد في المباضعة، ودقيق طلعه إذا تحملت به المرأة قبل الجماع أعان على الحبل إعانة بالغة، وهو في البرودة واليبوسة في الدرجة الثانية، يقوي المعدة ويجففها، ويسكن ثائرة الدم مع غلظة وبطء هضم‏.‏
عود
العود الهندي نوعان، أحدهما يستعمل في الأدوية وهو الكست، ويقال له القسط، وسيأتي في حرف القاف‏.‏ الثاني يستعمل في الطيب، ويقال له الألوة‏.‏ وقد روى مسلم في صحيحه عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ، أنه كان يستجمر بالألوة غير مطراة، وبكافور يطرح معها، ويقول هكذا كان يستجمر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وثبت عنه في صفة نعيم أهل الجنة ‏(‏مجامرهم الألوة‏)‏‏.‏ والمجامر جمع مجمر وهو ما يتجمر به من عود وغيره، وهو أنواع أجودها الهندي، ثم الصيني، ثم القماري، ثم المندلي، وأجوده الأسود والأزرق الصلب الرزين الدسم، وأقله جودة ما خف وطفا على الماء، ويقال إنه شجر يقطع ويدفن في الأرض سنة، فتأكل الأرض منه ما لا ينفع، ويبقى عود الطيب، لا تعمل فيه الأرض شيئًا، ويتعفن منه قشره وما لا طيب فيه‏.‏
وهو حار يابس في الثالثة، يفتح السدد، ويكسر الرياح، ويذهب بفضل الرطوبة، ويقوي الأحشاء والقلب ويفرحه، وينفع الدماغ، ويقوي الحواس، ويحبس البطن، وينفع من سلس البول الحادث عن برد المثانة‏.‏
قال ابن سمجون العود ضروب كثيرة يجمعها اسم الألوة، ويستعمل من داخل وخارج، ويتجمر به مفردًا ومع غيره، وفي الخلط للكافور به عند التجمير معنى طبي، وهو إصلاح كل منهما بالآخر، وفي التجمر مراعاة جوهر الهواء وإصلاحه، فإنه أحد الأشياء الستة الضرورية التى في صلاحها صلاح الأبدان‏.‏
عدس
قد ورد في أحاديث كلها باطلة على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يقل شيئًا منها، كحديث ‏(‏إنه قدس على لسان سبعين نبيًا‏)‏ وحديث ‏(‏إنه يرق القلب، ويغزر الدمعة، وإنه مأكول الصالحين‏)‏، وأرفع شيء جاء فيه، وأصحه أنه شهوة اليهود التي قدموها على المن والسلوى، وهو قرين الثوم والبصل في الذكر‏.‏
وطبعه طبع المؤنث، بارد يابس، وفيه قوتان متضادتان‏.‏ إحداهما يعقل الطبيعة‏.‏ والأخرى يطلق، وقشره حار يابس في الثالثة، حريف مطلق للبطن، وترياقه في قشره، ولهذا كان صحاحه أنفع من مطحونه، وأخف على المعدة، وأقل ضررًا، فإن لبه بطيء الهضم لبرودته ويبوسته، وهو مولد للسوداء، ويضر بالماليخوليا ضررًا بينًا، ويضر بالأعصاب والبصر‏.‏
وهو غليظ الدم، وينبغي أن يتجنبه أصحاب السوداء، وإكثارهم منه يولد لهم أدواء رديئة، كالوسواس والجذام، وحمى الربع، ويقلل ضرره السلق والإسفاناخ، واكثار الدهن‏.‏ وأردأ ما أكل بالنمكسود وليتجنب خلط الحلاوة به، فإنه يورث سددًا كبدية، وإدمانه يظلم البصر لشدة تجفيفه، ويعسر البول، ويوجب الأورام الباردة، والرياح الغليظة‏.‏ وأجوده الأبيض السمين، السريع النضج‏.‏
وأما ما يظنه الجهال أنه كان سماط الخليل الذي يقدمه لأضيافه، فكذب مفترى، وإنما حكى الله عنه الضيافة بالشواء، وهو العجل الحنيذ‏.‏
وذكر البيهقي، عن إسحاق قال سئل ابن المبارك عن الحديث الذي جاء في العدس، أنه قدس على لسان سبعين نبيًا، فقال ولا على لسان نبي واحد، وإنه لمؤذ منفخ، من حدثكم به‏؟‏ قالوا سلم بن سالم، فقال عمن ‏؟‏ قالوا عنك‏.‏ قال وعني أيضًا ‏!‏‏!‏‏؟‏‏.‏
غيث
مذكور في القرآن في عدة مواضع، وهو لذيذ الإسم على السمع، والمسمى على الروح والبدن، تبتهج الأسماع بذكره، والقلوب بوروده، وماؤه أفضل المياه، وألطفها وأنفعها وأعظمها بركة، ولا سيما إذا كان من سحاب راعد، واجتمع في مستنقعات الجبال، وهو أرطب من سائر المياه، لأنه لم تطل مدته على الأرض، فيكتسب من يبوستها، ولم يخالطه جوهر يابس، ولذلك يتغير ويتعفن سريعًا للطافته وسرعة انفعاله، وهل الغيث الربيعي ألطف من الشتوي أو بالعكس‏؟‏ فيه قولان‏.‏
قال من رجح الغيث الشتوي حرارة الشمس تكون حينئذ أقل فلا تجتذب من ماء البحر إلا ألطفه، والجو صاف وهو خال من الأبخرة الدخانية، الغبار المخالط للماء، وكل هذا يوجب لطفه وصفاءه، وخلوه من مخالط‏.‏
قال من رجح الربيعي الحرارة توجب تحلل الأبخرة الغليظة، وتوجب رقة الهواء ولطافته، فيخف بذلك الماء، وتقل أجزاؤه الأرضية، وتصادف وقت حياة النبات والأشجار وطيب الهواء‏.‏
وذكر الشافعي رحمه الله عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنهما ـ، قال كنا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأصابنا مطر، فحسر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثوبه، وقال‏:‏ ‏(‏إنه حديث عهد بربه‏)‏، وقد تقدم في هديه في الإستسقاء ذكر استمطاره ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتبركه بماء الغيث عند أول مجيئه‏.‏

 
حرف الفاء


فاتحة الكتاب
وأم القرآن، والسبع المثاني، والشفاء التام، والدواء النافع والرقية التامة، ومفتاح الغنى والفلاح، وحافظة القوة، ودافعة الهم والغم والخوف والحزن لمن عرف مقدارها وأعطاها حقها، وأحسن تنزيلها على دائه، وعرف وجه الاستشفاء والتداوي بها، والسر الذي لأجله كانت كذلك‏.‏
ولما وقع بعض الصحابة على ذلك، رقى بها اللديغ، فبرأ لوقته، فقال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏وما أدراك أنها رقية‏)‏‏.‏
ومن ساعده التوفيق، وأعين بنور البصيرة حتى وقف على أسرار هذه السورة، وما اشتملت عليه من التوحيد، ومعرفة الذات والأسماء والصفات والأفعال، وإثبات الشرع والقدر والمعاد، وتجريد توحيد الربوبية والإلهية، وكمال التوكل والتفويض إلى من له الأمر كله، وله الحمد كله، وبيده الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله، والإفتقار إليه في طلب الهداية التي هي أصل سعادة الدارين، وعلم ارتباط معانيها بجلب مصالحهما، ودفع مفاسدهما، وأن العاقبة المطلقة التامة،والنعمة الكاملة منوطة بها، موقوفة على التحقق بها، أغنته عن كثير من الأدوية والرقى، واستفتح بها من الخير أبوابه، ودفع بها من الشر أسبابه‏.‏ وهذا أمر يحتاج استحداث فطرة أخرى، وعقل آخر، وإيمان آخر، وتالله لا تجد مقالة فاسدة، ولا بدعة باطلة إلا وفاتحة الكتاب متضمنة لردها وإبطالها بأقرب الطرق، وأصحها وأوضحها، ولا تجد بابًا من أبواب المعارف الإلهية، وأعمال القلوب وأدويتها من عللها وأسقامها إلا وفي فاتحة الكتاب مفتاحه، وموضع الدلالة عليه، ولا منزلًا من منازل السائرين إلى رب العالمين إلا وبدايته ونهايته فيها‏.‏
ولعمر الله إن شأنها لأعظم من ذلك، وهي فوق ذلك‏.‏ وما تحقق عبد بها، واعتصم بها، وعقل عمن تكلم بها، وأنزلها شفاء تامًا، وعصمة بالغة، ونورًا مبينًا، وفهمها وفهم لوازمها كما ينبغى ووقع في بدعة ولا شرك، ولا أصابه مرض من أمراض القلوب إلا لمامًا، غير مستقر‏.‏
هذا، وإنما المفتاح الأعظم لكنوز الأرض، كما أنها المفتاح لكنوز الجنة، ولكن ليس كل واحد يحسن الفتح بهذا المفتاح، ولو أن طلاب الكنوز وقفوا على سر هذه السورة، وتحققوا بمعانيها، وركبوا لهذا المفتاح أسنانًا، وأحسنوا الفتح به، لوصلوا إلى تناول الكنوز من غير معاوق، ولا ممانع‏.‏ ولم نقل هذا مجازفة ولا استعارة، بل حقيقة، ولكن لله تعالى حكمة بالغة في إخفاء هذا السر عن نفوس أكثر العالمين، كما له حكمة بالغة في إخفاء كنوز الأرض عنهم، والكنوز المحجوبة قد استخدم عليها أرواح خبيثة شيطانية تحول بين الإنس وبينها، ولا تقهرها إلا أرواح علوية شريفة غالبة لها بحالها الإيماني، معها أسلحة لا تقوم لها الشياطين، وأكثر نفوس الناس ليست بهذه المثابة، فلا تقاوم تلك الأرواح ولا يقهرها، ولا ينال من سلبها شيئًا، فإن من قتل قتيلًا فله سلبه‏.‏
فاغية
هي نور الحناء، وهي من أطيب الرياحين، وقد روى البيهقي في كتابه شعب الإيمان من حديث عبد الله بن بريدة، عن أبيه رضي الله عنه يرفعه ‏(‏سيد الرياحين في الدنيا والآخرة الفاغية‏)‏ وروى فيه أيضًا، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال‏:‏ ‏(‏كان أحب الرياحين إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الفاغية‏)‏‏.‏ والله أعلم بحال هذين الحديثين، فلا نشهد على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بما لا نعلم صحته‏.‏
وهي معتدلة في الحر واليبس، فيها بعض القبض، وإذا وضعت بين طي ثياب الصوف حفظها من السوس، وتدخل في مراهم الفالج والتصدد، ودهنها يحلل الأعضاء، ويلين العصب‏.‏
فضة
ثبت أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان خاتمه من فضة، وفصه منه، وكانت قبيعة سيفه فضة، ولم يصح عنه في المنع من لباس الفضة والتحلي بها شيء البتة، كما صح عنه المنع من الشرب في آنيتها، وباب الآنية أضيق من باب اللباس والتحلي، ولهذا تباح للنساء لباسًا، وحلية ما يحرم عليهن استعمال آنية، فلا يلزم من تحريم الآنية تحريم اللباس والحلية‏.‏
وفي السنن عنه‏:‏ ‏(‏وأما الفضة فالعبوا بها لعبًا‏)‏‏.‏ فالمنع يحتاج إلى دليل يبينه، إما نص أو إجماع، فإن ثبت أحدهما، وإلا ففي القلب من تحريم ذلك على الرجال شيء، والنبي صلى ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمسك بيده ذهبًا، وبالأخرى حريرًا، وقال ‏(‏هذان حرام على ذكور أمتي، حل لإناثهم‏)‏‏.‏
والفضة سر من أسرار الله في الأرض، وطلسم الحاجات، وإحسان أهل الدنيا بينهم، وصاحبها مرموق بالعيون بينهم، معظم في النفوس، مصدر في المجالس، لا تغلق دونه الأبواب، ولا تمل مجالسته، ولا معاشرته، ولا يستثقل مكانه، تشير الأصابع إليه، وتعقد العيون نطاقها عليه، إن قال، سمع قوله، وإن شفع، قبلت شفاعته، وإن شهد، زكيت شهادته، وإن خطب فكفء لا يعاب، وإن كان ذا شيبة بيضاء، فهي أجمل عليه من حلية الشباب‏.‏
وهي من الأدوية المفرحة النافعة من الهم والغم والحزن، وضعف القلب وخفقانه، وتدخل في المعاجين الكبار، وتجتذب بخاصيتها ما يتولد في القلب من الأخلاط الفاسدة، خصوصًا إذا أضيفت إلى العسل المصفى، والزعفران‏.‏
ومزاجها إلى اليبوسة والبرودة، ويتولد عنها من الحرارة والرطوبة ما يتولد، والجنان التي أعدها الله عز وجل لأوليائه يوم يلقونه أربع جنتان من ذهب، وجنتان من فضة، آنيتهما وحليتهما وما فيهما‏.‏ وقد ثبت عنه في الصحيح من حديث أم سلمة أنه قال‏:‏ ‏(‏الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم‏)‏‏.‏
وصح عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة‏)‏‏.‏
فقيل علة التحريم تضييق النقود، فإنها إذا اتخذت أواني فاتت الحكمة التي وضعت لأجلها من قيام مصالح بني آدم، وقيل العلة الفخر والخيلاء‏.‏ وقيل العلة كسر قلوب الفقراء والمساكين إذا رأوها وعاينوها‏.‏ وهذه العلل فيها ما فيها، فإن التعليل بتضييق النقود يمنع من التحلي بها وجعلها سبائك ونحوها مما ليس بآنية ولا نقد، والفخر والخيلاء حرام بأي شيء كان، وكسر قلوب المساكين لا ضابط له، فإن قلوبهم تنكسر بالدور الواسعة والحدائق المعجبة، والمراكب الفارهة، والملابس الفاخرة، والأطعمة اللذيذة، وغير ذلك من المباحات، وكل هذه علل منتقضة، إذ توجد العلة، ويتخلف معلولها‏.‏
فالصواب أن العلة ـ والله أعلم ـ ما يكسب استعمالها القلب من الهيئة، والحالة المنافية للعبودية منافاة ظاهرة، ولهذا علل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأنها للكفار في الدنيا، إذ ليس لهم نصيب من العبودية التي ينالون بها في الآخرة نعيمها، فلا يصلح استعمالها لعبيد الله في الدنيا، وإنما يستعملها من خرج عن عبوديته، ورضي بالدنيا وعاجلها من الآخرة‏.‏


حرف القاف


قرآن
قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين‏}‏‏.‏ ‏[‏الإسراء‏:‏82 ‏]‏، والصحيح أن من ها هنا، لبيان الجنس لا للتبعيض، وقال تعالى ‏{‏يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏57‏]‏‏.‏
فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية، وأدواء الدنيا والآخرة، وما كل أحد يؤهل ولا يوفق للإستشفاء به، وإذا أحسن العليل التداوي به، ووضعه على دائه بصدق وإيمان، وقبول تام، واعتقاد جازم، واستيفاء شروطه، لم يقاومه الداء أبدًا‏.‏ وكيف تقاوم الأدواء كلام رب الأرض والسماء الذي لو نزل على الجبال، لصدعها، أو على الأرض، لقطعها، فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه، والحمية منه لمن رزقه الله فهمًا في كتابه، وقد تقدم في أول الكلام على الطب بيان إرشاد القرآن العظيم إلى أصوله ومجامعه التي هي حفظ الصحة والحمية، واستفراغ المؤذي، والإستدلال بذلك على سائر أفراد هذه الأنواع‏.‏ وأما الأدوية القلبية، فإنه يذكرها مفصلة، ويذكر أسباب أدوائها وعلاجها‏.‏ قال‏:‏ ‏{‏أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم‏}‏ ‏[‏العنكبوت‏:‏51‏]‏، فمن لم يشفه القرآن، فلا شفاه الله، ومن لم يكفه، فلا كفاه الله‏.‏
قثاء
في السنن من حديث عبد الله بن جعفر رضي الله عنه، أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يأكل القثاء بالرطب، ورواه الترمذي وغيره‏.‏
القثاء بارد رطب في الدرجة الثانية، مطفئ لحرارة المعدة الملتهبة، بطيء الفساد فيها، نافع من وجع المثانة، ورائحته تنفع من الغشي، وبزره يدر البول، وورقه إذا اتخذ ضمادًا، نفع من عضة الكلب، وهو بطيء الانحدار عن المعدة، وبرده مضر ببعضها، فينبغي أن يستعمل معه ما يصلحه ويكسر برودته ورطوبته، كما فعل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذ أكله بالرطب، فإذا أكل بتمر أو زبيب أو عسل عدله‏.‏
قسط وكست بمعنى واحد‏.‏ وفي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏خير ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري‏)‏‏.‏
وفي المسند من حديث أم قيس، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏عليكم بهذا العود الهندي، فإن فيه سبعة أشفية منها ذات الجنب‏)‏‏.‏
القسط
نوعان إحداهما الأبيض الذي يقال له البحري‏.‏ والآخر الهندي، وهو أشدهما حرًا، والأبيض ألينهما، ومنافعهما كثيرة جدًا‏.‏
وهما حاران يابسان في الثالثة، ينشفان البلغم، قاطعان للزكام، وإذا شربا، نفعا من ضعف الكبد والمعدة ومن بردهما، ومن حمى الدور والربع، وقطعا وجع الجنب، ونفعا من السموم، وإذا طلي به الوجه معجونًا بالماء والعسل، قلع الكلف، وقال جالينوس ينفع من الكزاز، ووجع الجبين، ويقتل حب القرع‏.‏
وقد خفي على جهال الأطباء نفعه من وجع ذات الجنب، فأنكروه ولو ظفر هذا الجاهل بهذا النقل عن جالينوس لنزله منزلة النص، كيف وقد نص كثير من الأطباء المتقدمين على أن القسط يصلح للنوع البلغمي من ذات الجنب، ذكره الخطابي عن محمد بن الجهم‏.‏ وقد تقدم أن طب الأطباء بالنسبة إلى طب الأنبياء أقل من نسبة طب الطرقية والعجائز إلى طب الأطباء،وأن بين ما يلقى بالوحي، وبين ما يلقى بالتجربة، والقياس من الفرق أعظم مما بين القدم والفرق‏.‏ ولو أن هؤلاء الجهال وجدوا دواء منصوصًا عن بعض اليهود والنصارى والمشركين من الأطباء، لتلقوه بالقبول والتسليم، ولم يتوقفوا على تجربته‏.‏ نعم نحن لا ننكر أن للعادة تأثيرًا في الإنتفاع بالدواء وعدمه، فمن اعتاد دواء وغذاء، كان أنفع له، وأوفق ممن لم يعتده، بل ربما لم ينتفع به من لم يعتده‏.‏
وكلام فضلاء الأطباء وإن كان مطلقًا، فهو بحسب الأمزجة والأزمنة، والأماكن والعوائد، وإذا كان التقييد بذلك لا يقدح في كلامهم ومعارفهم، فكيف يقدح في كلام الصادق المصدوق، ولكن نفوس البشر مركبة على الجهل والظلم، إلا من أيده الله بروح الإيمان، ونور بصيرته بنور الهدى‏.‏
قصب السكر
جاء في بعض ألفاظ السنة الصحيحة في الحوض ‏(‏ماؤه أحلى من السكر‏)‏، ولا أعرف السكر في الحديث إلا في هذا الموضع‏.‏ والسكر حادث لم يتكلم فيه متقدمو الأطباء، ولا كانوا يعرفونه، ولا يصفونه في الأشربة، وإنما يعرفون العسل، ويدخلونه في الأدوية، وقصب السكر حار رطب ينفع من السعال، ويجلو الرطوبة والمثانة، وقصبة الرئة، وهو أشد تليينًا من السكر، وفيه معونة على القئ، ويدر البول، ويزيد في الباه‏.‏ قال عفان بن مسلم الصفار من مص قصب السكر بعد طعامه، لم يزل يومه أجمع في سرور، انتهى‏.‏ وهو ينفع من خشونة الصدر والحلق إذا شوي، ويولد رياحًا دفعها بأن يقشر، ويغسل بماء حار‏.‏ والسكر حار رطب على الأصح، وقيل بارد، وأجوده الأبيض الشفاف الطبرزد، وعتيقه ألطف من جديده، وإذا طبخ ونزعت رغوته، سكن العطش والسعال، وهو يضر المعدة التي تتولد فيها الصفراء لاستحالته إليها، ودفع ضرره بماء الليمون أو النارنج، أو الرمان اللفان‏.‏ وبعض الناس يفضله على العسل لقلة حرارته ولينه، وهذا تحامل منه على العسل، فإن منافع العسل أضعاف منافع السكر، وقد جعله الله شفاء ودواء، وإدامًا وحلاوة، وأين نفع السكر من منافع العسل من تقوية المعدة، وتليين الطبع، وإحداد البصر، وجلاء ظلمته، ودفع الخوانيق بالغرغرة به، وإبرائه من الفالج واللقوة، ومن جميع العلل الباردة التي تحدث في جميع البدن من الرطوبات، فيجذبها من قعر البدن، ومن جميع البدن، وحفظ صحته وتسمينه وتسخينه، والزيادة في الباه، والتحليل والجلاء، وفتح أفواه العروق، وتنقية المعى، وإحدار الدود، ومنع التخم وغيره من العفن، والأدم النافع، وموافقة من غلب عليه البلغم والمشايخ وأهل الأمزجة الباردة، وبالجملة فلا شيء أنفع منه للبدن، وفي العلاج وعجز الأدوية، وحفظ قواها، وتقوية المعدة إلى أضعاف هذه المنافع، فأين للسكر مثل هذه المنافع والخصائص أو قريب منها ‏؟‏‏.‏


حرف الكاف


كتاب للحمى
قال المروزي بلغ أبا عبد الله أني حممت، فكتب لي من الحمى رقعة فيها بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله، وبالله، محمد رسول الله، قلنا يا نار كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم، وأرادوا به كيدًا، فجعلنهاهم الأخسرين، اللهم رب جبرائيل، وميكائيل، وإسرافيل، اشف صاحب هذا الكتاب بحولك وقوتك وجبروتك، إله الحق آمين‏.‏
قال المروزي وقرأ على أبي عبد الله ـ وأنا أسمع ـ أبو المنذر عمرو بن مجمع، حدثنا يونس بن حبان، قال سألت أبا جعفر محمد بن علي أن أعلق التعويذ، فقال إن كان من كتاب الله أو كلام عن نبي الله فعلقه واستشف به ما استطعت‏.‏ قلت أكتب هذه من حمى الربع باسم الله، وبالله، ومحمد رسول الله إلى آخره‏؟‏ قال أي نعم‏.‏
وذكر أحمد عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ وغيرها، أنهم سهلوا في ذلك‏.‏
قال حرب ولم يشدد فيه أحمد بن حنبل، قال أحمد وكان ابن مسعود يكرهه كراهة شديدة جدًا‏.‏ وقال أحمد وقد سئل عن التمائم تعلق بعد نزول البلاء‏؟‏ قال أرجو أن لا يكون به بأس‏.‏
قال الخلال وحدثنا عبد الله بن أحمد، قال رأيت أبي يكتب التعويذ للذي يفزع، وللحمى بعد وقوع البلاء‏.‏
كتاب لعسر الولادة
قال الخلال حدثني عبد الله بن أحمد قال رأيت أبي يكتب للمرأة إذا عسر عليها ولادتها في جام أبيض، أو شيء نظيف، يكتب حديث ابن عباس رضي الله عنه لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين ‏{‏كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ‏}‏ ‏[‏الأحقاف‏:‏35‏]‏، ‏{‏كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها‏}‏ ‏[‏النازعات‏:‏46‏]‏‏.‏
قال الخلال أنبانا أبو بكر المروزي، أن أبا عبد الله جاءه رجل فقال يا أبا عبد الله ‏!‏ تكتب لامرأة قد عسر عليها ولدها منذ يومين‏؟‏ فقال قل له يجيء بجام واسع، وزعفران، ورأيته يكتب لغير واحد ويذكر عن عكرمة، عن ابن عباس قال مر عيسى ـ صلى الله على نبينا وعليه وسلم ـ على بقرة قد اعترض ولدها في بطنها، فقالت‏:‏ يا كلمة الله ‏!‏ ادع الله لي أن يخلصني مما أنا فيه، فقال يا خالق النفس من النفس، ويا مخلص النفس من النفس، ويا مخرج النفس من النفس، خلصها‏.‏ قال فرمت بولدها، فإذا هي قائمة تشمه‏.‏ قال فإذا عسر على المرأة ولدها، فاكتبه لها‏.‏ وكل ما تقدم من الرقي، فإن كتابته نافعة‏.‏
ورخص جماعة من السلف في كتابة بعض القرآن وشربه، وجعل ذلك الشفاء الذي جعل الله فيه‏.‏
كتاب آخر لذلك يكتب في إناء نظيف‏:‏ ‏{‏إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت وإذا الأرض مدت وألقت ما فيها وتخلت‏}‏ ‏[‏الانشقاق‏:‏1‏:‏ 4‏]‏، وتشرب منه الحامل، ويرش على بطنها‏.‏
كتاب للرعاف
كان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يكتب على جبهته ‏{‏وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 44‏]‏‏.‏ وسمعته يقول كتبتها لغير واحد فبرأ، فقال ولا يجوز كتابتها بدم الراعف، كما يفعله الجهال، فإن الدم نجس، فقال يجوز أن يكتب به كلام الله تعالى‏.‏ كتاب آخر له خرج موسى عليه السلام برداء، فوجد شعيبًا، فشده بردائه ‏{‏يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب‏}‏ ‏[‏الرعد‏:‏39‏]‏‏.‏
كتاب آخر للحزاز
يكتب عليه ‏{‏فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 266‏]‏ بحول الله وقوته‏.‏
كتاب آخر له عند اصفرار الشمس يكتب عليه ‏{‏يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم‏}‏ ‏[‏الحديد‏:‏28‏]‏‏.‏
كتاب آخر للحمى المثلثة يكتب على ثلاث ورقات لطاف بسم الله فرت، بسم الله مرت، بسم الله قلت، ويأخذ كل يوم ورقة، ويجعلها في فمه، ويبتلعها بماء‏.‏
كتاب آخر لعرق النسا
بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم رب كل شيء، ومليك كل شيء، وخالق كل شيء، أنت خلقتني، وأنت خلقت النسا، فلا تسلطه علي بأذى، ولا تسلطني عليه بقطع، واشفني شفاء لا يغادر سقمًا، لا شافي إلا أنت‏.‏
كباث
في الصحيحين من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال كنا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ نجني الكباث، فقال‏:‏ ‏(‏عليكم بالأسود منه، فإنه أطيبه‏)‏‏.‏
الكباث، بفتح الكاف، والباء الموحدة المخففة، والثاء المثلثة ـ ثمر الأراك، وهو بأرض الحجاز، وطبعه حار يابس، ومنافعه كمنافع الأراك يقوي المعدة، ويجيد الهضم، ويجلو البلغم، وينفع من أوجاع الظهر، وكثير من الأدواء‏.‏ قال ابن جلجل إذا شرب طحينه، أدر البول، ونقى المثانة، وقال ابن رضوان يقوي المعدة، ويمسك الطبيعة‏.‏
كتم
روى البخاري في صحيحه ‏:‏ عن عثمان بن عبد الله بن موهب، قال‏:‏ دخلنا على أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ فأخرجت إلينا شعرًا من شعر رسول الله، فإذا هو مخضوب بالحناء والكتم‏.‏
وفي السنن الأربعة ‏:‏ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏إن أحسن ما غيرتم به الشيب الحناء والكتم‏)‏‏.‏
وفي الصحيحين‏:‏ عن أنس رضي الله عنه، أن أبا بكر رضي الله عنه اختضب بالحناء والكتم‏.‏
وفي سنن أبي داود ‏:‏ عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ، قال‏:‏ ‏(‏مر على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رجل قد خضب بالحناء فقال‏:‏ ما أحسن هذا ‏؟‏ فمر آخر قد خضب بالحناء والكتم، فقال‏:‏ هذا أحسن من هذا فمر آخر قد خضب بالصفرة، فقال‏:‏ هذا أحسن من هذا كله‏)‏‏.‏
قال الغافقي‏:‏ الكتم نبت ينبت بالسهول، ورقه قريب من ورق الزيتون، يعلو فوق القامة، وله ثمر قدر حب الفلفل، في داخله نوى، إذا رضخ اسود، وإذا استخرجت عصارة ورقه، وشرب منها قدر أوقية، قيأ قيئًا شديدًا، وينفع عن عضة الكلب، وأصله إذا طبخ بالماء كان منه مداد يكتب به‏.‏
وقال الكندي‏:‏ بزر الكتم إذا اكتحل به، حلل الماء النازل في العين وأبرأها‏.‏
وقد ظن بعض الناس أن الكتم هو الوسمة، وهي ورق النيل، وهذا وهم، فإن الوسمة غير الكتم‏.‏ قال صاحب الصحاح ‏:‏ الكتم بالتحريك‏:‏ نبت يخلط بالوسمة يختضب به، قبل‏:‏ والوسمة نبات له ورق طويل يضرب لونه إلى الزرقة أكبر من ورق الخلاف، يشبه ورق اللوبيا، وأكبر منه، يؤتى به من الحجاز واليمن‏.‏
فإن قيل‏:‏ قد ثبت في الصحيح عن أنس رضي الله عنه، أنه قال‏:‏ لم يختضب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏.‏
قيل‏:‏ قد أجاب أحمد بن حنبل عن هذا وقال‏:‏ قد شهد به غير أنس رضي الله عنه على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه خضب، وليس من شهد بمنزلة من لم يشهد، فأحمد أثبت خضاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومعه جماعة من المحدثين، ومالك أنكره‏.‏
فإن قيل‏:‏ فقد ثبت في صحيح مسلم النهي عن الخضاب بالسواد في شأن أبي قحافة لما أتي به ورأسه ولحيته كالثغامة بياضًا، فقال‏:‏ ‏(‏غيروا هذا الشيب وجنبوه السواد‏)‏‏.‏ والكتم يسود الشعر‏.‏
فالجواب من وجهين، أحدهما‏:‏ أن النهي عن التسويد البحت، فأما إذا أضيف إلى الحناء شيء آخر، كالكتم ونحوه، فلا بأس به، فإن الكتم والحناء يجعل الشعر بين الأحمر والأسود بخلاف الوسمة، فإنها تجعله أسود فاحمًا، وهذا أصح الجوابين‏.‏
الجواب الثاني‏:‏ أن الخضاب بالسواد المنهي عنه خضاب التدليس، كخضاب شعر الجارية، والمرأة الكبيرة تغر الزوج، والسيد بذلك، وخضاب الشعر يغر المرأة بذلك، فإنه من الغش والخداع، فأما إذا لم يتضمن تدليسًا ولا خداعًا، فقد صح عن الحسن والحسين ـ رضي الله عنهما ـ أنهما كانا يخضبان بالسواد، ذكر ذلك ابن جرير عنهما في كتاب تهذيب الآثار وذكره عن عثمان بن عفان، وعبد الله بن جعفر، وسعد بن أبي وقاص، وعقبة بن عامر، والمغيرة بن شعبة، وجرير بن عبد الله، وعمرو بن العاص، وحكاه عن جماعة من التابعين، منهم‏:‏ عمرو بن عثمان، وعلي بن عبد الله بن عباس، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعبد الرحمن بن الأسود، وموسى بن طلحة، والزهري، وأيوب، وإسماعيل بن معدي كرب‏.‏
وحكاه ابن الجوزي عن محارب بن دثار، ويزيد، وابن جريج، وأبي يوسف، وأبي إسحاق، وابن أبي ليلى، وزياد بن علاقة، وغيلان بن جامع، ونافع بن جبير، وعمرو بن علي المقدمي، والقاسم بن سلام‏.‏
كرم
شجرة العنب، وهي الحبلة، ويكره تسميتها كرمًا، لما روى مسلم في صحيحه عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏لا يقولن أحدكم للعنب الكرم‏.‏ الكرم‏:‏ الرجل المسلم‏)‏‏.‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏إنما الكرم قلب المؤمن‏)‏، وفي أخرى‏:‏ ‏(‏لا تقولوا‏:‏ الكرم، وقولوا‏:‏ العنب والحبلة‏)‏‏.‏
وفي هذا معنيان‏:‏
أحدهما‏:‏ أن العرب كانت تسمي شجرة العنب الكرم، لكثرة منافعها وخيرها، فكره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تسميتها باسم يهيج النفوس على محبتها ومحبة ما يتخذ منها من المسكر، وهو أم الخبائث، فكره أن يسمى أصله بأحسن الأسماء وأجمعها للخير‏.‏
والثاني‏:‏ أنه من باب قوله‏:‏ ‏(‏ليس الشديد بالصرعة‏)‏‏.‏ ‏(‏وليس المسكين بالطواف‏)‏‏.‏ أي‏:‏ أنكم تسمون شجرة العنب كرمًا لكثرة منافعه، وقلب المؤمن، أو الرجل المسلم أولى بهذا الاسم منه، فإن المؤمن خير كله ونفع، فهو من باب التنبيه والتعريف لما في قلب المؤمن من الخير، والجود، والإيمان، والنور، والهدى، والتقوى، والصفات التي يستحق بها هذا الاسم أكثر من استحقاق الحبلة له‏.‏
وبعد‏:‏ فقوة الحبلة باردة يابسة، وورقها وعلائقها وعرموشها مبرد في آخر الدرجة الأولى، وإذا دقت وضمد بها من الصداع سكنته، ومن الأورام الحارة والتهاب المعدة‏.‏ وعصارة قضبانه إذا شربت سكنت القيء، وعقلت البطن، وكذلك إذا مضغت قلوبها الرطبة‏.‏ وعصارة ورقها، تنفع من قروح الأمعاء، ونفث الدم وقيئه، ووجع المعدة، ودمع شجره الذي يحمل على القضبان، كالصمغ إذا شرب أخرج الحصاة، وإذا لطخ به، أبرأ القوب والجرب المتقرح وغيره، وينبغي غسل العضو قبل استعمالها بالماء والنطرون، وإذا تمسح بها مع الزيت حلق الشعر، ورماد قضبانه إذا تضمد به مع الخل ودهن الورد والسذاب، نفع من الورم العارض في الطحال، وقوة دهن زهرة الكرم قابضة شبيهة بقوة دهن الورد، ومنافعها كثيرة قريبة من منافع النخلة‏.‏
كرفس
روي في حديث لا يصح عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏من أكله ثم نام عليه، نام ونكهته طيبة، وينام آمنا من وجع الأضراس والأسنان‏)‏، وهذا باطل على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولكن البستاني منه يطيب النكهة جدًا، وإذا علق أصله في الرقبه نفع من وجع الأسنان‏.‏
وهو حار يابس، وقيل‏:‏ رطب مفتح لسداد الكبد والطحال، وورقه رطبًا ينفع المعدة والكبد الباردة، ويدر البول والطمث، ويفتت الحصاة، وحبه أقوى في ذلك، ويهيج الباه، وينفع من البخر‏.‏ قال الرازي‏:‏ وينبغي أن يجتنب أكله إذا خيف من لدغ العقارب‏.‏
كراث
فيه حديث لا يصح عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بل هو باطل موضوع‏:‏ ‏(‏من أكل الكراث ثم نام عليه نام آمنًا من ريح البواسير واعتزله الملك لنتن نكهته حتى يصبح‏)‏‏.‏
وهو نوعان‏:‏ نبطي وشامي، فالنبطي‏:‏ البقل الذي يوضع على المائدة‏.‏ والشامي‏:‏ الذي له رؤوس، وهو حار يابس مصدع، وإذا طبخ وأكل، أو شرب ماؤه، نفع من البواسير الباردة‏.‏ وإن سحق بزره، وعجن بقطران، وبخرت به الأضراس التي فيها الدود نثرها وأخرجها، ويسكن الوجع العارض فيها، وإذا دخنت المقعدة ببزره خفت البواسير، هذا كله في الكراث النبطي‏.‏
وفيه مع ذلك فساد الأسنان واللثة، ويصدع، ويري أحلامًا رديئة، ويظلم البصر، وينتن النكهة، وفيه إدرار للبول والطمث، وتحريك للباه، وهو بطيء الهضم‏.‏


حرف اللام


لحم
قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون‏}‏ ‏[‏الطور‏:‏ 22‏]‏‏.‏ وقال‏:‏ ‏{‏ولحم طير مما يشتهون‏}‏ ‏[‏الواقعة‏:‏ 21‏]‏‏.‏
وفي سنن ابن ماجه من حديث أبي الدرداء، عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏سيد طعام أهل الدنيا، وأهل الجنة اللحم‏)‏‏.‏ ومن حديث بريدة يرفعه‏:‏ ‏(‏خير الإدام في الدنيا والآخرة اللحم‏)‏‏.‏
وفي الصحيح عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام‏)‏‏.‏ والثريد‏:‏ الخبز واللحم، قال الشاعر‏:‏
إذا ما الخبز تأدمه بلحم ** فذاك أمانة الله الثريد
وقال الزهري‏:‏ أكل اللحم يزيد سبعين قوة‏.‏ وقال محمد بن واسع‏:‏ اللحم يزيد في البصر‏؟‏ ويروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه‏:‏ كلوا اللحم فإنة يصفي اللون ويخمص البطن، ويحسن الخلق‏.‏ وقال نافع‏:‏ كان ابن عمر إذا كان رمضان لم يفته اللحم، وإذا سافر لم يفته اللحم، ويذكر عن علي‏:‏ من تركه أربعين ليلة ساء خلقه‏.‏
وأما حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ الذي رواه أبو دواد مرفوعًا‏:‏ ‏(‏لا تقطعوا اللحم بالسكين، فإنه من صنيع الأعاجم، وانهسوه، فإنه أهنأ وأمرأ‏)‏‏.‏ فرده الإمام أحمد بما صح عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ من قطعه بالسكين في حديثين، وقد تقدما‏.‏
واللحم أجناس يختلف باختلاف أصوله وطبائعه، فنذكر حكم كل جنس وطبعه ومنفعته ومضرته‏.‏
لحم الضأن‏:‏ حار في الثانية، رطب في الأولى، جيده الحولي، يولد الدم المحمود القوي لمن جاد هضمه، يصلح لأصحاب الأمزجة الباردة والمعتدلة، ولأهل الرياضات التامة في المواضع والفصول الباردة، نافع لأصحاب المرة السوداء، يقوي الذهن والحفظ‏.‏ ولحم الهرم والعجيف رديء، وكذلك لحم النعاج، وأجوده‏:‏ لحم الذكر الأسود منه، فإنه أخف وألذ وأنفع، والخصي أنفع وأجود، والأحمر من الحيوان السمين أخف وأجود غذاء، والجذع من المعز أقل تغذية، ويطفو في المعدة‏.‏
أفضل اللحم عائذه بالعظم، والأيمن أخف وأجود من الأيسر، المقدم أفضل من المؤخر، وكان أحب الشاة إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مقدمها، وكل ما علا منه سوى الرأس كان أخف وأجود مما سفل، وأعطى الفرزدق رجلاً يشتري له لحمًا وقال له‏:‏ خذ المقدم، وإياك والرأس والبطن، فإن الداء فيهما‏.‏ ولحم العنق جيد لذيذ، سريع الهضم خفيف، ولحم الذراع أخف اللحم وألذه وألطفه وأبعده من الأذى، وأسرعه انهضامًا ‏.‏
وفي الصحيحين‏:‏ أنه كان يعجب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ولحم الظهر كثير الغذاء ، يولد دمًا محمودًا ‏.‏ وفي سنن ابن ماجه مرفوعًا ‏:‏ ‏(‏أطيب اللحم لحم الظهر‏)‏‏.‏
لحم المعز
قليل الحرارة، يابس، وخلطه المتولد منه ليس بفاضل وليس بجيد الهضم، ولا محمود الغذاء‏.‏ ولحم التيس رديء مطلقًا، شديد اليبس، عسر الانهضام، مولد للخلط السوداوي‏.‏
قال الجاحظ‏:‏ قال لي فاضل من الأطباء‏:‏ يا أبا عثمان‏!‏ إياك ولحم المعز، فإنه يورث الغم، ويحرك السوداء، ويورث النسيان، ويفسد الدم، وهو والله يخبل الأولاد‏.‏
وقال بعض الأطباء‏:‏ إنما المذموم منه المسن، ولا سيما للمسنين، ولا رداءة فيه لمن اعتاده‏.‏ وجالينوس جعل الحولي منه من الأغذية المعتدلة المعدلة للكيموس المحمود، وإناثه أنفع من ذكوره‏.‏
وقد روى النسائي في سننه عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏أحسنوا إلى الماعز وأميطوا عنها الأذى فإنها من دواب الجنة‏)‏‏.‏ وفي ثبوت هذا الحديث نظر‏.‏ وحكم الأطباء عليه بالمضرة حكم جزئي ليس بكلي عام، وهو بحسب المعدة الضعيفة، والأمزجة الضعيفة التي لم تعتده، واعتادت المأكولات اللطيفة، وهؤلاء أهل الرفاهية من أهل المدن، وهم القليلون من الناس‏.‏
لحم الجدي‏:‏ قريب إلى الاعتدال، خاصة ما دام رضيعًا، ولم يكن قريب العهد بالولادة، وهو أسرع هضمًا لما فيه من قوة اللبن، ملين للطبع، موافق لأكثر الناس في أكثر الأحوال، وهو ألطف من لحم الجمل، والدم المتولد عنه معتدل‏.‏
لحم البقر‏:‏ بارد يابس، عسر الانهضام، بطيء الانحدار، يولد دمًا سوداويًا، لا يصلح إلا لأهل الكد والتعب الشديد، ويورث إدمانه الأمراض السوداوية، كالبهق والجرب، والقوباء والجذام، وداء الفيل، والسرطان، والوسواس، وحمى الربع، وكثير من الأورام، وهذا لمن لم يعتده، أو لم يدفع ضرره بالفلفل والثوم والدارصيني، والزنجبيل ونحوه، وذكره أقل برودة، وأنثاه أقل يبسًا‏.‏ ولحم العجل ولا سيما السمين من أعدل الأغذية وأطيبها وألذها وأحمدها، وهو حار رطب، وإذا انهضم غذى غذاء قويًا‏.‏
لحم الفرس
ثبت في الصحيح عن أسماء ـ رضي الله عنها ـ قالت‏:‏ نحرنا فرسًا فأكلناه على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏.‏ وثبت عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه أذن في لحوم الخيل، ونهى عن لحوم الحمر أخرجاه في الصحيحين‏.‏
ولا يثبت عنه حديث المقدام بن معدي كرب ـ رضي الله عنه ـ أنه نهى عنه‏.‏ قاله أبو داود وغيره من أهل الحديث‏.‏
واقترانه بالبغال والحمير في القرآن لا يدل على أن حكم لحمه حكم لحومها بوجه من الوجوه، كما لا يدل على أن حكمها في السهم في الغنيمة حكم الفرس، والله سبحانه يقرن في الذكر بين المتماثلات تارة، وبين المختلفات، وبين المتضادات، وليس في قوله‏:‏ ‏{‏لتركبوها‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 8‏]‏، ما يمنع من أكلها، كما ليس فيه ما يمنع من غير الركوب من وجوه الانتفاع، وإنما نص على أجل منافعها، وهو الركوب، والحديثان في حلها صحيحان لا معارض لهما، وبعد‏:‏ فلحمها حار يابس، غليظ سوداوي مضر لا يصلح للأبدان اللطيفة‏.‏
لحم الجمل
فرق ما بين الرافضة وأهل السنة، كما أنه أحد الفروق بين اليهود وأهل الإسلام، فاليهود والرافضة تذمه ولا تأكله، وقد علم بالإضطرار من دين الإسلام حله، وطالما أكله رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه حضرًا وسفرًا‏.‏
ولحم الفصيل منه من ألذ اللحوم وأطيبها وأقواها غذاء، وهو لمن اعتاده بمنزلة لحم الضأن لا يضرهم البتة، ولا يولد لهم داء، وإنما ذمه بعض الأطباء بالنسبة إلى أهل الرفاهية من أهل الحضر الذين لم يعتادوه، فإن فيه حرارة ويبسًا، وتوليدًا للسوداء، وهو عسر الإنهضام، وفيه قوة غير محمودة، لأجلها أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالوضوء من أكله في حديثين صحيحين لا معارض لهما، ولا يصح تأويلهما بغسل اليد، لأنه خلاف المعهود من الوضوء في كلامه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لتفريقه بينه وبين لحم الغنم، فخير بين الوضوء وتركه منها، وحتم الوضوء من لحوم الإبل‏.‏ ولو حمل الوضوء على غسل اليد فقط، لحمل على ذلك في قوله‏:‏ ‏(‏من مس فرجه فليتوضأ‏)‏‏.‏
وأيضًا‏:‏ فإن آكلها قد لا يباشر أكلها بيده بأن يوضع في فمه، فإن كان وضؤوه غسل يده، فهو عبث، وحمل لكلام الشارع على غير معهوده وعرفه، ولا يصح معارضته بحديث‏:‏ ‏(‏كان آخر الأمرين من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ترك الوضوء مما مست النار‏)‏‏.‏ لعدة أوجه‏:‏
أحدها‏:‏ أن هذا عام، والأمر بالوضوء، منها خاص‏.‏
الثاني‏:‏ أن الجهة مختلفة، فالأمر بالوضوء منها بجهة كونها لحم إبل سواء كان نيئًا، أو مطبوخًا، أو قديدًا، ولا تأثير للنار في الوضوء وأما ترك الوضوء مما مست النار، ففيه بيان أن مس النار ليس بسبب للوضوء، فأين أحدهما من الآخر‏؟‏ هذا فيه إثبات سبب الوضوء، وهو كونه لحم إبل، وهذا فيه نفي لسبب الوضوء، وهو كونه ممسوس النار، فلا تعارض بينهما بوجه‏.‏
الثالث‏:‏ أن هذا ليس فيه حكاية ولفظ عام عن صاحب الشرع، وإنما هو إخبار عن واقعة فعل في أمرين، أحدهما‏:‏ متقدم على الآخر، كما جاء ذلك مباين في نفس الحديث، أنهم قربوا إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لحمًا، فأكل، ثم حضرت الصلاة، فتوضأ فصلى، ثم قربوا إليه فأكل، ثم صلى، ولم يتوضأ، فكان آخر الأمرين منه ترك الوضوء مما مست النار، هكذا جاء الحديث، فاختصره الراوي لمكان الإستدلال، فأين في هذا ما يصلح لنسخ الأمر بالوضوء منه، حتى لو كان لفظًا عامًا متأخرًا مقاومًا، لم يصلح للنسخ، ووجب تقديم الخاص عليه، وهذا في غاية الظهور‏.‏
لحم الضب
تقدم الحديث في حله، ولحمه حار يابس، يقوي شهوة الجماع‏.‏
لحم الغزال
الغزال أصلح الصيد وأحمده لحمًا، وهو حار يابس، وقيل‏:‏ معتدل جدًا، نافع للأبدان المعتدلة الصحيحة، وجيده الخشف‏.‏
لحم الظبي
حار يابس في الأولى، مجفف للبدن، صالح للأبدان الرطبة‏.‏ قال صاحب القانون ‏:‏ وأفضل لحوم الوحش لحم الظبي مع ميله إلى السوداوية‏.‏
لحم الأرانب
ثبت في الصحيحين ‏:‏ عن أنس بن مالك قال أنفجنا أرنبًا فسعوا في طلبها، فأخذوها، فبعث أبو طلحة بوركها إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقبله‏.‏
معتدل إلى الحرارة واليبوسة، وأطيبها وركها، وأحمده أكل لحمها مشويًا، وهو يعقل البطن، ويدر البول، ويفتت الحصى، وأكل رؤوسها ينفع من الرعشة‏.‏
لحم حمار الوحش
ثبت في الصحيحين‏:‏ من حديث أبي قتادة رضي الله عنه، أنهم كانوا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في بعض عمره، وأنه صاد حمار وحش، فأمرهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأكله وكانوا محرمين، ولم يكن أبو قتادة محرمًا‏.‏
وفي سنن ابن ماجه ‏:‏ عن جابر قال‏:‏ أكلنا زمن خيبر الخيل وحمر الوحش‏.‏
لحمه حار يابس، كثير التغذية، مولد دمًا غليظًا سوداويًا، إلا أن شحمه نافع مع دهن القسط لوجع الظهر والريح الغليظة المرخية للكلى، وشحمه جيد للكلف طلاء، وبالجملة فلحوم الوحوش كلها تولد دمًا غليظًا سوداويًا وأحمده الغزال، وبعده الأرنب‏.‏
لحوم الأجنة
غير محمودة لاحتقان الدم فيها، وليست بحرام، لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏ذكاة الجنين ذكاة أمه‏)‏‏.‏
ومنع أهل العراق من أكله إلا أن يدركه حيًا فيذكيه، وأولوا الحديث على أن المراد به أن ذكاته كذكاة أمه‏.‏ قالوا‏:‏ فهو حجة على التحريم، وهذا فاسد، فإن أولالحديث أنهم سألوا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالوا‏:‏ يا رسول الله ‏!‏ نذبح الشاة، فنجد في بطنها جنينًا أفنأكله‏؟‏ فقال‏:‏ ‏(‏كلوه إن شيءتم فإن ذكاته ذكاة أمه‏)‏‏.‏
وأيضًا‏:‏ فالقياس يقتضي حله، فإنه ما دام حملًا فهو جزء من أجزاء الأم، فذكاتها ذكاة لجميع أجزائها، وهذا هو الذي أشار إليه صاحب الشرع بقوله‏:‏ ذكاته ذكاة أمه كما تكون ذكاتها ذكاة سائر أجزائها، فلو لم تأت عنه السنة الصريحة بأكله، لكان القياس الصحيح يقتضي حله‏.‏
لحم القديد
في السنن من حديث ثوبان رضي الله عنه قال‏:‏ ذبحت لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ شاة ونحن مسافرون، فقال‏:‏ ‏(‏أصلح لحمها‏)‏ فلم أزل أطعمه منه إلى المدينة‏.‏
أنفع من النمكسود، ويقوي الأبدان، ويحدث حكة، ودفع ضرره بالأبازير الباردة الرطبة، ويصلح الأمزجة الحارة والنمكسود‏:‏ حار يابس مجفف، جيده من السمين الرطب، يضر بالقولنج، ودفع مضرته طبخه باللبن والدهن، ويصلح للمزاج الحار الرطب‏.‏
 لحوم الطير
قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ولحم طير مما يشتهون‏}‏ ‏[‏الواقعة‏:‏ 21‏]‏‏.‏
وفي مسند البزار وغيره مرفوعًا ‏(‏إنك لتنظر إلى الطير في الجنة، فتشتهيه، فيخر مشويًا بين يديك‏)‏‏.‏
ومنه حلال، ومنه حرام‏.‏ فالحرام‏:‏ ذو المخلب، كالصقر والبازي والشاهين، وما يأكل الجيف كالنسر والرخم واللقلق والعقعق والغراب الأبقع والأسود الكبير، وما نهي عن قتله كالهدهد والصرد، وما أمر بقتله كالحدأة والغراب‏.‏
والحلال أصناف كثيرة، فمنه الدجاج، ففي الصحيحين ‏:‏ من حديث موسى، أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أكل لحم الدجاج وهو حار رطب في الأولى، خفيف على المعدة، سريع الهضم، جيد الخلط، يزيد في الدماغ والمني، ويصفي الصوت، ويحسن اللون، ويقوي العقل، ويولد دمًا جيدًا، وهو مائل إلى الرطوبة، ويقال‏:‏ إن مداومة أكله تورث النقرس، ولا يثبت ذلك‏.‏
ولحم الديك أسخن مزاجًا، وأقل رطوبة، والعتيق منه دواء ينفع القولنج والربو والرياح الغليظة إذا طبخ بماء القرطم والشبث، وخصيها محمود الغذاء، سريع الإنهضام، والفراريج سريعة الهضم، ملينة للطبع، والدم المتولد منها دم لطيف جيد‏.‏
لحم الدراج
حار يابس في الثانية، خفيف لطيف، سريع الانهضام مولد للدم المعتدل، والإكثار منه يحد البصر‏.‏
لحم الحجل
يولد الدم الجيد، سريع الانهضام‏.‏
لحم الإوز
حار يابس، رديء الغذاء إذا اعتيد وليس بكثير الفضول‏.‏
لحم البط
حار رطب، كثير الفضول، عسر الإنهضام، غير موافق للمعدة‏.‏
لحم الحبارى
في السنن من حديث بريه بن عمر بن سفينة، عن أبيه، عن جده رضي الله عنه قال‏:‏ أكلت مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لحم حبارى‏.‏
وهو حار يابس، عسر الانهضام، نافع لأصحاب الرياضة والتعب‏.‏
لحم الكركي
يابس خفيف، وفي حره وبرده خلاف، يولد دمًا سوداويًا، ويصلح لأصحاب الكد والتعب، وينبغي أن يترك بعد ذبحه يومًا أو يومين، ثم يؤكل‏.‏
لحم العصافير والقنابر
روى النسائي في سننه‏:‏ من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏ما من إنسان يقتل عصفورًا فما فوقه بغير حقه إلا سأله الله عز وجل عنها‏.‏ قيل‏:‏ يا رسول الله ‏!‏ وما حقه‏؟‏ قال‏:‏ تذبحه فتأكله، ولا تقطع رأسه وترمي به‏)‏‏.‏
وفي سننه أيضًا‏:‏ عن عمرو بن الشريد، عن أبيه قال‏:‏ سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول‏:‏ ‏(‏من قتل عصفورًا عبثًا، عج إلى الله يقول‏:‏ يا رب إن فلانًا قتلني، عبثًا، ولم يقتلني لمنفعة‏)‏‏.‏
ولحمه حار يابس، عاقل للطبيعة، يزيد في الباه، ومرقه يلين الطبع، وينفع المفاصل، وإذا أكلت أدمغتها بالزنجيبل والبصل، هيجت شهوة الجماع، وخلطها غير محمود‏.‏
لحم الحمام
حار رطب، وحشيه أقل رطوبة، وفراخه أرطب خاصية، وما ربي في الدور وناهضه أخف لحمًا، وأحمد غذاء، ولحم ذكورها شفاء من الإسترخاء والخدر والسكتة والرعشة، وكذلك شم رائحة أنفاسها، وأكل فراخها معين على النساء، وهو جيد للكلى، يزيد في الدم، وقد روي فيها حديث باطل لا أصل له عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏أن رجلًا شكى إليه الوحدة، فقال‏:‏ اتخذ زوجًا من الحمام‏)‏‏.‏ وأجود من هذا الحديث أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ رأى رجلًا يتبع حمامة، فقال‏:‏ شيطان يتبع شيطانة‏.‏
وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه في خطبته يأمر بقتل الكلاب وذبح الحمام‏.‏
لحم القطا
يابس، يولد السوداء، ويحبس الطبع، وهو من شر الغذاء، إلا أنه ينفع من الإستسقاء‏.‏
لحم السمانى
حار يابس، ينفع المفاصل، ويضر بالكبد الحار، ودفع مضرته بالخل والكسفرة، وينبغي أن يجتنب من لحوم الطير ما كان في الآجام والمواضع العفنة، ولحوم الطير كلها أسرع انهضامًا من المواشي، وأسرعها انهضامًا، أقلها غذاء، وهي الرقاب والأجنحة، وأدمغتها أحمد من أدمغة المواشي‏.‏

ينبغي ألا يداوم على أكل اللحم
فإنه يورث الأمراض الدموية والامتلائية، والحميات الحادة، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه‏:‏ إياكم واللحم، فإن له ضراوة كضراوة الخمر، ذكره مالك في الموطأ عنه‏.‏ وقال أبقراط‏:‏ لا تجعلوا أجوافكم مقبرة للحيوان‏.‏

اللبن
 قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 66‏]‏ وقال في الجنة‏:‏ ‏{‏فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه‏}‏ ‏[‏محمد‏:‏ 15‏]‏‏.‏ وفي السنن مرفوعًا‏:‏ ‏(‏من أطعمه الله طعامًا‏.‏ فليقل‏:‏ اللهم بارك لنا فيه، وارزقنا خيرًا منه، ومن سقاه الله لبنًا فليقل‏:‏ اللهم بارك لنا فيه، وزدنا منه، فإني لا أعلم ما يجزئ من الطعام والشراب إلا اللبن‏)‏‏.‏
 وإن كان بسيطًا في الحس، إلا أنه مركب في أصل الخلقة تركيبًا طبيعيًا من جواهر ثلاثة‏:‏ الجبنية، والسمنية، والمائية، فالجبنية‏:‏ باردة رطبة، مغذية للبدن، والسمنية‏:‏ معتدلة الحرارة والرطوبة ملائمة للبدن الإنساني الصحيح، كثيرة المنافع، والمائية‏:‏ حارة رطبة، مطلقة للطبيعة، مرطبة للبدن، واللبن على الإطلاق أبرد وأرطب من المعتدل‏.‏
 وقيل‏:‏ قوته عند حلبه الحرارة والرطوبة، وقيل‏:‏ معتدل في الحرارة والبرودة‏.‏
 وأجود ما يكون اللبن حين يحلب، ثم لا يزال تنقص جودته على ممر الساعات، فيكون حين يحلب أقل برودة، وأكثر رطوبة، والحامض بالعكس، ويختار اللبن بعد الولادة بأربعين يومًا، وأجوده ما اشتد بياضه، وطاب ريحه، ولذ طعمه، وكان فيه حلاوة يسيرة، ودسومة معتدلة، واعتدل قوامه في الرقة والغلظ، وحلب من حيوان فتي صحيح، معتدل اللحم، محمود المرعى والمشرب‏.‏
 وهو محمود يولد دمًا جيدًا، ويرطب البدن اليابس، ويغذو غذاء حسنًا، وينفع من الوسواس والغم والأمراض السوداوية، وإذا شرب مع العسل نقى القروح الباطنة من الأخلاط العفنة، وشربه مع السكر يحسن اللون جدًا، والحليب يتدارك ضرر الجماع، ويوافق الصدر والرئة، جيد لأصحاب السل، رديء للرأس والمعدة، والكبد والطحال، والإكثار منه مضر بالأسنان واللثة، ولذلك ينبغي أن يتمضمض بعده بالماء، وفي الصحيحين ‏:‏ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ شرب لبنًا، ثم دعا بماء فتمضمض وقال‏:‏ ‏(‏إن له دسمًا‏)‏‏.‏ وهو رديء للمحمومين، وأصحاب الصداع، مؤذ للدماغ، والرأس الضعيف، والمداومة عليه تحدث ظلمة البصر والغشاء، ووجع المفاصل، وسدة الكبد، والنفخ في المعدة والأحشاء، وإصلاحه بالعسل والزنجبيل المربى ونحوه، وهذا كله لمن لم يعتده‏.‏
 لبن الضأن
 أغلظ الألبان وأرطبها، وفيه من الدسومة والزهومة ما ليس في لبن الماعز والبقر، يولد فضولًا بلغميًا، ويحدث في الجلد بياضًا إذا أدمن استعماله، ولذلك ينبغي أن يشرب هذا اللبن بالماء ليكون ما نال البدن منه أقل، وتسكينه للعطش أسرع، وتبريده أكثر‏.‏
 لبن المعز‏
 لطيف معتدل، مطلق للبطن، مرطب للبدن اليابس، نافع من قروح الحلق، والسعال اليابس، ونفث الدم‏. واللبن المطلق أنفع المشروبات للبدن الإنساني لما اجتمع فيه من التغذية والدموية، ولاعتياده حال الطفولية، وموافقته للفطرة الأصلية، وفي الصحيحين ‏:‏ ‏(‏أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أتي ليلة أسري به بقدح من خمر، وقدح من لبن، فنظر إليهما، ثم أخذ اللبن، فقال جبريل‏:‏ الحمد لله الذي هداك للفطرة، لو أخذت الخمر، غوت أمتك‏)‏‏.‏ والحامض منه بطيء الاستمراء، خام الخلط، والمعدة الحارة تهضمه وتنتفع به‏.‏
 لبن البقر‏:‏ يغذو البدن، ويخصبه، ويطلق البطن باعتدال، وهو من أعدل الألبان وأفضلها بين لبن الضأن، ولبن المعز في الرقة والغلظ والدسم، وفي السنن ‏:‏ من حديث عبد الله بن مسعود يرفعه‏:‏ ‏(‏عليكم بألبان البقر، فإنها ترم من كل الشجر‏)‏‏.‏
 لبن الإبل‏:‏ تقدم ذكره في أول الفصل، وذكر منافعه، فلا حاجة لإعادته‏.‏
 لبان‏:‏ هو الكندر
 قد ورد فيه عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏بخروا بيوتكم باللبان والصعتر‏)‏‏.‏ ولا يصح عنه، ولكن يروى عن علي أنه قال لرجل شكا إليه النسيان‏:‏ عليك باللبان، فإنه يشجع القلب، ويذهب بالنسيان‏.‏ ويذكر عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن شربه مع السكر على الريق جيد للبول والنسيان‏.‏ ويذكر عن أنس رضي الله عنه، أنه شكا إليه رجل النسيان، فقال‏:‏ عليك بالكندر وانقعه من الليل، فإذا أصبحت، فخذ منه شربة على الريق، فإنه جيد للنسيان‏.‏
 ولهذا سبب طبيعي ظاهر، فإن النسيان إذا كان لسوء مزاج بارد رطب يغلب على الدماغ، فلا يحفظ ما ينطبع فيه، نفع منه اللبان، وأما إذا كان النسيان لغلبة شيء عارض، أمكن زواله سريعًا بالمرطبات‏.‏ والفرق بينهما أن اليبوسي يتبعه سهر، وحفظ الأمور الماضية دون الحالية، والرطوبي بالعكس‏.‏
 وقد يحدث النسيان أشياء بالخاصية، كحجامة نقرة القفا، وإدمان أكل الكسفرة الرطبة، والتفاح الحامض، وكثرة الهم والغم، والنظر في الماء الواقف، والبول فيه، والنظر إلى المصلوب، والإكثار من قراءة ألواح القبور، والمشي بين جملين مقطورين، وإلقاء القمل في الحياض وأكل سؤر الفأر، وأكثر هذا معروف بالتجربة‏.‏
 والمقصود‏:‏ أن اللبان مسخن في الدرجة الثانية، ومجفف في الأولى، وفيه قبض يسير، وهو كثير المنافع، قليل المضار، فمن منافعه‏:‏ أن ينفع من قذف الدم ونزفه، ووجع المعدة، واستطلاق البطن، ويهضم الطعام، ويطرد الرياح، ويجلو قروح العين، وينبت اللحم في سائر القروح، ويقوي المعدة الضعيفة، ويسخنها، ويجفف البلغم، وينشف رطوبات الصدر، ويجلو ظلمة البصر، ويمنع القروح الخبيثة من الإنتشار، وإذا مضغ وحده، أو مع الصعتر الفارسي جلب البلغم، ونفع من اعتقال اللسان، ويزيد في الذهن ويذكيه، وإن بخر به ماء، نفع من الوباء، وطيب رائحة الهواء‏.‏
 

حرف الميم
 


ماء
مادة الحياة، وسيد الشراب، وأحد أركان العالم، بل ركنه الأصلي، فإن السماوات خلقت من بخاره، والأرض من زبده، وقد جعل الله منه كل شيء حي‏.‏
وقد اختلف فيه‏:‏ هل يغذو، أو ينفذ الغذاء فقط‏؟‏ على قولين، وقد تقدما، وذكرنا القول الراجح ودليله‏.‏
وهو بارد رطب، يقمع الحرارة، ويحفظ على البدن رطوباته، ويرد عليه بدل ما تحلل منه، ويرقق الغذاء، وينفذه في العروق‏.‏
وتعتبر جودة الماء من عشرة طرق‏:‏
أحدها‏:‏ من لونه بأن يكون صافيًا‏.‏
الثاني‏:‏ من رائحته بأن لا تكون له رائحة البتة‏.‏
الثالث‏:‏ من طعمه بأن يكون عذب الطعم حلوه، كماء النيل والفرات‏.‏
الرابع‏:‏ من وزنه بأن يكون خفيفًا رقيق القوام‏.‏
الخامس‏:‏ من مجراه‏.‏ بأن يكون طيب المجرى والمسلك‏.‏
السادس‏:‏ من منبعه بأن يكون بعيد المنبع‏.‏
السابع‏:‏ من بروزه للشمس والريح، بأن لا يكون مختفيًا تحت الأرض، فلا تتمكن الشمس والريح من قصارته‏.‏
الثامن‏:‏ من حركته بأن يكون سريع الجري والحركة‏.‏
التاسع‏:‏ من كثرته بأن يكون له كثرة يدفع الفضلات المخالطة له‏.‏
العاشر‏:‏ من مصبه بأن يكون آخذًا من الشمال إلى الجنوب، أو من المغرب إلى المشرق‏.‏
وإذا اعتبرت هذه الأوصاف، لم تجدها بكمالها إلا في الأنهار الاربعة‏:‏ النيل، والفرات، وسيحون، وجيحون‏.‏
وفي الصحيحين ‏:‏ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏سيحان، وجيحان، والنيل، والفرات، كل من أنهار الجنة‏)‏‏.‏
وتعتبر خفة الماء من ثلاثة أوجه، أحدها‏:‏ سرعة قبوله للحر والبرد، قال أبقراط‏:‏ الماء الذي يسخن سريعًا، ويبرد سريعًا أخف المياه‏.‏ الثاني‏:‏ بالميزان، الثالث‏:‏ أن تبل قطنتان متساويتا الوزن بماءين مختلفين، ثم يجففا بالغًا، ثم توزنا، فأيتهما كانت أخف، فماؤها كذلك‏.‏
والماء وإن كان في الأصل باردًا رطبًا، فإن قوته تنتقل وتتغير لأسباب عارضة توجب انتقالها، فإن الماء المكشوف للشمال المستور عن الجهات الأخر يكون باردًا، وفيه يبس مكتسب من ريح الشمال، وكذلك الحكم على سائر الجهات الأخر‏.‏
والماء الذي ينبع من المعادن يكون على طبيعة ذلك المعدن، ويؤثر في البدن تأثيره، والماء العذب نافع للمرضى والأصحاء، والبارد منه أنفع وألذ، ولا ينبغي شربه على الريق، ولا عقيب الجماع، ولا الإنتباه من النوم، ولا عقيب الحمام، ولا عقيب أكل الفاكهة، وقد تقدم‏.‏ وأما على الطعام، فلا بأس به إذا اضطر إليه، بل يتعين ولا يكثر منه، بل يتمصصه مصًا، فإنه لا يضره البتة، بل يقوي المعدة، وينهض الشهوة، ويزيل العطش‏.‏
والماء الفاتر ينفخ ويفعل ضد ما ذكرناه، وبائته أجود من طريه وقد تقدم‏.‏ والبارد ينفع من داخل أكثر من نفعه من خارج، والحار بالعكس، وينفع البارد من عفونة الدم، وصعود الأبخرة إلى الرأس، ويدفع العفونات، ويوافق الأمزجة والأسنان والأزمان والأماكن الحارة، ويضر على كل حالة تحتاج إلى نضج وتحليل، كالزكام والأورام، والشديد البرودة منه يؤذي الأسنان، والإدمان عليه يحدث انفجار الدم والنزلات، وأوجاع الصدر‏.‏
والبارد والحار بإفراط ضاران للعصب ولأكثر الأعضاء، لأن أحدهما محلل، والآخر مكثف، والماء الحار يسكن لذع الأخلاط الحادة، ويحلل وينضج، ويخرج الفضول، ويرطب ويسخن، ويفسد الهضم شربه، ويطفو بالطعام إلى أعلى المعدة ويرخيها، ولا يسرع في تسكين العطش، ويذبل البدن، ويؤدي إلى أمراض رديئة، ويضر في أكثر الأمراض على أنه صالح للشيوخ، وأصحاب الصرع، والصداع البارد، والرمد‏.‏ وأنفع ما استعمل من خارج‏.‏
ولا يصح في الماء المسخن بالشمس حديث ولا أثر، ولا كرهه أحد من قدماء الأطباء، ولا عابوه، والشديد السخونة يذيب شحم الكلى، وقد تقدم الكلام على ماء الأمطار في حرف العين‏.‏

ماء الثلج والبرد:‏ ثبت في الصحيحين عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه كان يدعو في الإستفتاح وغيره‏:‏ ‏(‏اللهم اغسلني من خطاياي بماء الثلج والبرد‏)‏‏.‏
الثلج له في نفسه كيفية حادة دخانية، فماؤه كذلك، وقد تقدم وجه الحكمة في طلب الغسل من الخطايا بمائه لما يحتاج إليه القلب من التبريد والتصليب والتقوية، ويستفاد من هذا أصل طب الأبدان والقلوب، ومعالجة أدوائها بضدها‏.‏
وماء البرد ألطف وألذ من ماء الثلج، وأما ماء الجمد وهو الجليد، فبحسب أصله‏.‏
والثلج يكتسب كيفية الجبال والأرض التي يسقط عليها في الجودة والرداءة، وينبغي تجنب شرب الماء المثلوج عقيب الحمام والجماع، والرياضة والطعام الحار، ولأصحاب السعال، ووجع الصدر، وضعف الكبد، وأصحاب الأمزجة الباردة‏.‏
ماء الآبار والقني
مياه الآبار قليلة اللطافة، وماء القني المدفونة تحت الأرض ثقيل، لأن أحدهما محتقن لا يخلو عن تعفن، والآخر محجوب عن الهواء، وينبغي ألا يشرب على الفور حتى يصمد للهواء، وتأتي عليه ليلة، وأردؤه ما كانت مجاريه من رصاص، أو كانت بئره معطلة، ولا سيما إذا كانت تربتها رديئة، فهذا الماء وبيء وخيم‏.‏
ماء زمزم
سيد المياه وأشرفها وأجلها قدرًا، وأحبها إلى النفوس وأغلاها ثمنًا، وأنفسها عند الناس، وهو هزمة جبريل وسقيا الله إسماعيل‏.‏
وثبت في الصحيح عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال لأبي ذر وقد أقام بين الكعبة وأستارها أربعين ما بين يوم وليلة، ليس له طعام غيره، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏إنها طعام طعم‏)‏‏.‏ وزاد غير مسلم بإسناده‏:‏ ‏(‏وشفاء سقم‏)‏‏.‏
وفي سنن ابن ماجه‏.‏ من حديث جابر بن عبد الله، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏ماء زمزم لما شرب له‏)‏‏.‏ وقد ضعف هذا الحديث طائفة بعبد الله بن المؤمل راويه عن محمد بن المنكدر‏.‏ وقد روينا عن عبد الله بن المبارك، أنه لما حج، أتى زمزم، فقال‏:‏ اللهم إن ابن أبي الموالي حدثنا عن محمد بن المنكدر، عن جابر رضي الله عنه، عن نبيك ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏ماء زمزم لما شرب له‏)‏، وإني أشربه لظمإ يوم القيامة، وابن أبي الموالي ثقة، فالحديث إذًا حسن، وقد صححه بعضهم، وجعله بعضهم موضوعًا، وكلا القولين فيه مجازفة‏.‏
وقد جربت أنا وغيري من الاستثسفاء بماء زمزم أمورًا عجيبة، واستشفيت به من عدة أمراض، فبرأت بإذن الله، وشاهدت من يتغذى به الأيام ذوات العدد قريبًا من نصف الشهر، أو أكثر، ولا يجد جوعًا، ويطوف مع الناس كأحدهم، وأخبرني أنه ربما بقي عليه أربعين يومًا، وكان له قوة يجامع بها أهله، ويصوم ويطوف مرارًا‏.‏
ماء النيل
أحد أنهار الجنة، أصله من وراء جبال القمر في أقصى بلاد الحبشة من أمطار تجتمع هناك، وسيول يمد بعضها بعضًا، فيسوقه الله تعالى إلى الأرض الجرز التي لا نبات لها، فيخرج به زرعًا، تأكل منه الأنعام والأنام، ولما كانت الأرض التي يسوقه إليها إبليزًا صلبة، إن أمطرت مطر العادة، لم ترو، ولم تتهيأ للنبات، وإن أمطرت فوق العادة ضرت المساكن والساكن، وعطلت المعايش والمصالح، فأمطر البلاد البعيدة، ثم ساق تلك الأمطار إلى هذه الأرض في نهر عظيم، وجعل سبحانه زيادته في أوقات معلومة على قدر ري البلاد وكفايتها، فإذا أروى البلاد وعمها، أذن سبحانه بتناقصه وهبوطه لتتم المصلحة بالتمكن من الزرع، واجتمع في هذا الماء الأمور العشرة التي تقدم ذكرها، وكان من ألطف المياه وأخفها وأعذبها وأحلاها‏.‏
ماء البحر
ثبت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال في البحر‏:‏ ‏(‏هو الطهور ماؤه الحل ميتته‏)‏‏.‏ وقد جعله الله سبحانه ملحًا أجاجًا مرًا زعاقًا لتمام مصالح من هو على وجه الأرض من الآدميين والبهائم، فإنه دائم راكد كثير الحيوان، وهو يموت فيه كثيرًا ولا يقبر، فلو كان حلوًا لأنتن من إقامته وموت حيواناته فيه وأجاف، وكان الهواء المحيط بالعالم يكتسب منه ذلك، وينتن ويجيف، فيفسد العالم، فاقتضت حكمة الرب سبحانه وتعالى أن جعله كالملاحة التي لو ألقي فيه جيف العالم كلها وأنتانه وأمواته لم تغيره شيئًا، ولا يتغير على مكثه من حين خلق، والى أن يطوي الله العالم، فهذا هو السبب الغائي الموجب لملوحته، وأما الفاعلي، فكون أرضه سبخة مالحة‏.‏
وبعد فالاغتسال به نافع من آفات عديدة في ظاهر الجلد، وشربه مضر بداخله وخارجه، فإنه يطلق البطن، ويهزل، ويحدث حكة وجربًا، ونفخًا وعطشًا، ومن اضطر إلى شربه فله طرق من العلاج يدفع بها مضرته‏.‏
منها‏:‏ أن يجعل في قدر، ويجعل فوق القدر قصبات وعليها صوف جديد منفوش، ويوقد تحت القدر حتى يرتفع بخارها إلى الصوف، فإذا كثر عصره، ولا يزال يفعل ذلك حتى يجتمع له ما يريد، فيحصل في الصوف من البخار ما عذب، ويبقى في القدر الزعاق‏.‏
ومنها‏:‏ أن يحفر على شاطئه حفرة واسعة يرشح ماؤه إليها، ثم إلى جانبها قريبًا منها أخرى ترشح هي إليها، ثم ثالثة إلى أن يعذب الماء‏.‏ وإذا ألجأته الضرورة إلى شرب الماء الكدر، فعلاجه أن يلقي فيه نوى المشمش، أو قطعة من خشب الساج، أو جمرا ملتهبا يطفأ فيه، أو طينًا أرمنيًا، أو سويق حنطة، فإن كدرته ترسب إلى أسفل‏.‏

مسك
ثبت في صحيح مسلم، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏أطيب الطيب المسك‏)‏‏.‏
وفي الصحيحين ‏:‏ عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ‏:‏ كنت أطيب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل أن يحرم ويوم النحر قبل أن يطوف بالبيت بطيب فيه مسك‏.‏
المسك‏:‏ ملك أنواع الطيب، وأشرفها وأطيبها، وهو الذي تضرب به الأمثال، ويشبه به غيره، ولا يشبه بغيره، وهو كثبان الجنة، وهو حار يابس في الثانية، يسر النفس ويقويها، ويقوي الأعضاء الباطنة جميعها شربًا وشمًا، والظاهرة إذا وضع عليها‏.‏ نافع للمشايخ، والمبرودين، لا سيما زمن الشتاء، جيد للغشي والخفقان، وضعف القوة بإنعاشه للحرارة الغريزية، ويجلو بياض العين، وينشف رطوبتها، ويفش الرياح منها ومن جميع الأعضاء، ويبطل عمل السموم، وينفع من نهش الأفاعي، ومنافعه كثيرة جدًا، وهو من أقوى المفرحات‏.‏
مرزنجوش
ورد فيه حديث لا نعلم صحته‏:‏ ‏(‏عليكم بالمرزنجوش، فإنه جيد للخشام‏)‏‏.‏ والخشام‏:‏ الزكام‏.‏
وهو حار في الثالثة يابس في الثانية، ينفع شمه من الصداع البارد، والكائن عن البلغم، والسوداء، والزكام، والرياح الغليظة، ويفتح السدد الحادثة في الرأس والمنخرين، ويحلل أكثر الأورام الباردة، فينفع من أكثر الأورام والأوجاع الباردة الرطبة، وإذا احتمل، أدر الطمث، وأعان على الحبل، وإذا دق ورقه اليابس، وكمد به، أذهب آثار الدم العارض تحت العين، وإذا ضمد به مع الخل، نفع لسعة العقرب‏.‏
ودهنه نافع لوجع الظهر والركبتين، ويذهب بالإعياء، ومن أدمن شمه لم ينزل في عينيه الماء، وإذا استعط بمائه مع دهن اللوز المر، فتح سدد المنخرين، ونفع من الريح العارضة فيها، وفي الرأس‏.‏ ملح‏:‏ روى ابن ماجه في سننه ‏:‏ من حديث أنس يرفعه‏:‏ ‏(‏سيد إدامهم الملح‏)‏‏.‏ وسيد الشيء‏:‏ هو الذي يصلحه، ويقوم عليه، وغالب الإدام إنما يصلح بالملح، وفي مسند البزار مرفوعًا‏:‏ ‏(‏سيوشك أن تكونوا في الناس مثل الملح في الطعام، ولا يصلح الطعام إلا بالملح‏)‏‏.‏
وذكر البغوي في تفسيره ‏:‏ عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ مرفوعًا‏:‏ ‏(‏إن الله أنزل أربع بركات من السماء إلى الأرض‏:‏ الحديد، والنار، والماء، والملح‏)‏‏.‏ والموقوف أشبه‏.‏
الملح يصلح أجسام الناس وأطعمتهم، ويصلح كل شيء يخالطه حتى الذهب والفضة، وذلك أن فيه قوة تزيد الذهب صفرة، والفضة بياضًا، وفيه جلاء وتحليل، وإذهاب للرطوبات الغليظة، وتنشيف لها، وتقوية للأبدان، ومنع من عفونتها وفسادها، ونفع من الجرب المتقرح‏.‏ وإذا اكتحل به، قلع اللحم الزائد من العين، ومحق الظفرة‏.‏ والأندراني أبلغ في ذلك، ويمنع القروح الخبيثة من الانتشار ويحدر البراز، وإذا دلك به بطون أصحاب الإستسقاء، نفعهم، وينقي الأسنان،ويدفع عنها العفونة، ويشد اللثة ويقويها، ومنافعه كثيرة جدًا‏.‏


حرف النون


نخل
مذكور في القرآن في غير موضع، وفي الصحيحين‏:‏ عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال‏:‏ بينا نحن عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذ أتي بجمار نخلة، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏إن من الشجر شجرة مثلها مثل الرجل المسلم لا يسقط ورقها، أخبروني ما هي‏؟‏ فوقع الناس في شجر البوادي، فوقع في نفسي أنها النخلة، فأردت أن أقول‏:‏ هي النخلة، ثم نظرت فإذا أنا أصغر القوم سنًا، فسكت‏.‏ فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ هي النخلة‏)‏، فذكرت ذلك لعمر، فقال‏:‏ لأن تكون قلتها أحب إلي من كذا وكذا‏.‏
ففي هذا الحديث إلقاء العالم المسائل على أصحابه، وتمرينهم، واختبار ما عندهم‏.‏
وفيه ضرب الأمثال والتشبيه‏.‏
وفيه ما كان عليه الصحابة من الحياء من أكابرهم وإجلالهم وإمساكهم عن الكلام بين أيديهم‏.‏
وفيه فرح الرجل بإصابة ولده، وتوفيقه للصواب‏.‏ وفيه أنه لا يكره للولد أن يجيب بما يعرف بحضرة أبيه، وإن لم يعرفه الأب، وليس في ذلك إساءة أدب عليه‏.‏ وفيه ما تضمنه تشبيه المسلم بالنخلة من كثرة خيرها، ودوام ظلها، وطيب ثمرها، ووجوده على الدوام‏.‏ وثمرها يؤكل رطبًا ويابسًا، وبلحًا ويانعًا، وهو غذاء ودواء وقوت وحلوى، وشراب وفاكهة، وجذوعها للبناء والآلات والأواني، ويتخذ من خوصها الحصر والمكاتل والأواني والمراوح، وغير ذلك، ومن ليفها الحبال والحشايا وغيرها، ثم آخر شيء نواها علف للإبل، ويدخل في الأدوية والأكحال، ثم جمال ثمرتها ونباتها وحسن هيئتها، وبهجة منظرها، وحسن نضد ثمرها، وصنعته وبهجته، ومسرة النفوس عند رؤيته، فرؤيتها مذكرة لفاطرها وخالقها، وبديع صنعته، وكمال قدرته، وتمام حكمته، ولا شيء أشبه بها من الرجل المؤمن، إذ هو خير كله، ونفع ظاهر وباطن‏.‏
وهي الشجرة التي حن جذعها إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما فارقه شوقًا إلى قربه، وسماع كلامه، وهي التي نزلت تحتها مريم لما ولدت عيسى عليه السلام‏.‏ وقد ورد في حديث في إسناده نظر‏:‏ ‏(‏أكرموا عمتكم النخلة، فإنها خلقت من الطين الذي خلق منه آدم‏)‏‏.‏
وقد اختلف الناس في تفضيلها على الحبلة أو بالعكس على قولين، وقد قرن الله بينهما في كتابه في غير موضع، وما أقرب أحدهما من صاحبه، وإن كان كل واحد منهما في محل سلطانه ومنبته، والأرض التي توافقه أفضل وأنفع‏.‏
نرجس
فيه حديث لا يصح‏:‏ ‏(‏عليكم بشم النرجس فإن في القلب حبة الجنون والجذام والبرص، لا يقطعها إلا شم النرجس‏)‏‏.‏
وهو حار يابس في الثانية، وأصله يدمل القروح الغائرة إلى العصب، وله قوة غسالة جالية جابذة، وإذا طبخ وشرب ماؤه، أو أكل مسلوقًا، هيج القئ، وجذب الرطوبة من قعر المعدة، وإذا طبخ مع الكرسنة والعسل، نقى أوساخ القروح، وفجر الدبيلات العسرة النضج‏.‏
وزهره معتدل الحرارة، لطيف ينفع الزكام البارد، وفيه تحليل قوي، ويفتح سدد الدماغ والمنخرين، وينفع من الصداع الرطب والسوداوي، ويصدع الرؤوس الحارة، والمحرق منه إذا شق بصله صليبًا، وغرس، صار مضاعفًا، ومن أدمن شمه في الشتاء أمن من البرسام في الصيف، وينفع من أوجاع الرأس الكائنة من البلغم والمرة السوداء، وفيه من العطرية ما يقوي القلب والدماغ، وينفع من كثير من أمراضها‏.‏ وقال صاحب التيسير‏:‏ شمه يذهب بصرع الصبيان‏.‏
نورة
روى ابن ماجه‏:‏ من حديث أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان إذا اطلى بدأ بعورته، فطلاها بالنورة، وسائر جسده أهله، وقد ورد فيها عدة أحاديث هذا أمثلها‏.‏
قيل‏:‏ إن أول من دخل الحمام، وصنعت له النورة، سليمان بن داود، وأصلها‏:‏ كلس جزآن، وزرنيخ جزء، يخلطان بالماء، ويتركان في الشمس أو الحمام بقدر ما تنضج، وتشتد زرقته، ثم يطلى به، ويجلس ساعة ريثما يعمل، ولا يمس بماء، ثم يغسل، ويطلى مكانها بالحناء لإذهاب ناريتها‏.‏
نبق
ذكر أبو نعيم في كتابه الطب النبوي مرفوعًا‏:‏ ‏(‏إن آدم لما أهبط إلى الأرض كان أول شيء أكل من ثمارها النبق‏)‏‏.‏ وقد ذكر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ النبق في الحديث المتفق على صحته‏:‏ أنه رأى سدرة المنتهى ليلة أسري به، وإذا نبقها مثل قلال هجر‏.‏
والنبق
ثمر شجر السدر يعقل الطبيعة، وينفع من الإسهال، ويدبغ المعدة، ويسكن الصفراء، ويغذو البدن، ويشهي الطعام، ويولد بلغمًا، وينفع الذرب الصفراوي، وهو بطيء الهضم، وسويقه يقوي الحشا، وهو يصلح الأمزجة الصفراوية، وتدفع مضرته بالشهد‏.‏
واختلف فيه، هل هو رطب أو يابس ‏؟‏ على قولين‏.‏ والصحيح‏:‏ أن رطبه بارد رطب، ويابسه بارد يابس‏.‏


حرف الهاء


هندبا
ورد فيها ثلاثة أحاديث لا تصح عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا يثبت مثلها، بل هي موضوعة، أحدها‏:‏ ‏(‏كلوا الهندباء ولا تنفضوه فإنه ليس يؤم من الأيام إلا وقطرات من الجنة تقطر عليه‏)‏‏.‏ الثاني‏:‏ ‏(‏من أكل الهندباء، ثم نام عليها لم يحل فيه سم ولا سحر‏)‏‏.‏ الثالث‏:‏ ‏(‏ما من ورقة من ورق الهندباء إلا وعليها قطرة من الجنة‏)‏‏.‏
وبعد فهي مستحيلة المزاج، منقلبة بانقلاب فصول السنة، فهي في الشتاء باردة رطبة، وفي الصيف حارة يابسة، وفي الربيع والخريف معتدلة، وفي غالب أحوالها تميل إلى البرودة واليبس، وهي قابضة مبردة جيدة للمعدة، وإذا طبخت وأكلت بخل، عقلت البطن وخاصة البري منها، فهي أجود للمعدة، وأشد قبضًا، وتنفع من ضعفها‏.‏ وإذا تضمد بها، سلبت الالتهاب العارض في المعدة، وتنفع من النقرس، ومن أورام العين الحارة، وإذا تضمد بورقها وأصولها، نفعت من لسع العقرب، وهي تقوي المعدة، وتفتح السدد العارضة في الكبد، وتنفع من أوجاعها حارها وباردها، وتفتح سدد الطحال والعروق والأحشاء وتنقي مجاري الكلى‏.‏ وأنفعها للكبد أمرها، وماؤها المعتصر ينفع من اليرقان السددي، ولا سيما إذا خلط به ماء الرازيانج الرطب، وإذا دق ورقها، ووضع على الأورام الحارة بردها وحللها، ويجلو ما في المعدة، ويطفئ حرارة الدم والصفراء، وأصلح ما أكلت غير مغسولة ولا منفوضة، لأنها متى غسلت أو نفضت، فارقتها قوتها، وفيها مع ذلك قوة ترياقية تنفع من جميع السموم‏.‏
وإذا اكتحل بمائها، نفع من العشا، ويدخل ورقها في الترياق، وينفع من لدغ العقرب، ويقاوم أكثر السموم، وإذا اعتصر ماؤها، وصب عليه الزيت، خلص من الأدوية القتالة، وإذا اعتصر أصلها، وشرب ماؤه، نفع من لسع الأفاعي، ولسع العقرب، ولسع الزنبور، ولبن أصلها يجلو بياض العين‏.‏


حرف الواو


ورس
ذكر الترمذي في جامعه‏:‏ من حديث زيد بن أرقم، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه كان ينعت الزيت والورس من ذات الجنب، قال قتادة‏:‏ يلد به، ويلد من الجانب الذي يشتكيه‏.‏
وروى ابن ماجه في سننه من حديث زيد بن أرقم أيضًا، قال‏:‏ نعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من ذات الجنب ورسًا وقسطًا وزيتًا يلد به‏.‏
وصح عن أم سلمة ـ رضي الله عنهاـ قالت‏:‏ كانت النفساء تقعد بعد نفاسها أربعين يومًا، وكانت إحدانا تطلي الورس على وجهها من الكلف‏.‏
قال أبو حنيفة اللغوي‏:‏ الورس يزرع زرعًا، وليس ببري، ولست أعرفه بغير أرض العرب، ولا من أرض العرب بغير بلاد اليمن‏.‏
وقوته في الحرارة واليبوسة في أول الدرجة الثانية، وأجوده الأحمر اللين في اليد، القليل النخالة، ينفع من الكلف، والحكة، والبثور الكائنة في سطح البدن إذا طلي به، وله قوة قابضة صابغة، وإذا شرب نفع من الوضح، ومقدار الشربة منه وزن درهم‏.‏
وهو في مزاجه ومنافعه قريب من منافع القسط البحري، وإذا لطخ به على البهق والحكة والبثور والسفعة نفع منها، والثوب المصبوغ بالورس يقوي على الباه‏.‏
وسمة
هي ورق النيل، وهي تسود الشعر، وقد تقدم قريبًا ذكر الخلاف في جواز الصبغ بالسواد ومن فعله‏.‏


حرف الياء


يقطين
وهو الدباء والقرع، وإن كان اليقطين أعم، فإنه في اللغة‏:‏ كل شجر لا تقوم على ساق، كالبطيخ والقثاء والخيار، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وأنبتنا عليه شجرة من يقطين‏}‏ ‏[‏الصافات‏:‏ 146‏]‏‏.‏
فإن قيل‏:‏ ما لا يقوم على ساق يسمى نجمًا لا شجرًا، والشجر‏:‏ ما له ساق، قاله أهل اللغة‏:‏ فكيف قال‏:‏ ‏{‏شجرة من يقطين‏}‏ ‏[‏الصافات‏:‏ 146‏]‏‏؟‏‏.‏
فالجواب‏:‏ أن الشجر إذا أطلق، كان ما له ساق يقوم عليه، وإذا قيد بشيء تقيد به، فالفرق بين المطلق والمقيد في الأسماء باب مهم عظيم النفع في الفهم، ومراتب اللغة‏.‏
اليقطين المذكور في القرآن‏:‏ هو نبات الدباء، وثمره يسمى الدباء والقرع، وشجرة اليقطين‏.‏ وقد ثبت في الصحيحين ‏:‏ من حديث أنس بن مالك، أن خياطًا دعا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لطعام صنعه، قال أنس رضي الله عنه‏:‏ فذهبت مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقرب إليه خبزًا من شعير، ومرقا فيه دباء وقديد، قال أنس‏:‏ فرأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتتبع الدباء من حوالي الصحفة، فلم أزل أحب الدباء من ذلك اليوم‏.‏
وقال أبو طالوت‏:‏ دخلت على أنس بن مالك رضي الله عنه، وهو يأكل القرع، ويقول‏:‏ يا لك من شجرة ما أحبك إلي لحب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إياك‏.‏
وفي الغيلانيات‏:‏ من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت‏:‏ قال لي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏يا عائشة إذا طبختم قدرًا، فأكثروا فيها من الدباء، فإنها تشد قلب الحزين‏)‏‏.‏
اليقطين‏:‏ بارد رطب، يغذو غذاء يسيرًا، وهو سريع الإنحدار، وإن لم يفسد قبل الهضم، تولد منه خلط محمود، ومن خاصيته أنه يتولد منه خلط محمود مجانس لما يصحبه، فان أكل بالخردل، تولد منه خلط حريف، وبالملح خلط مالح، ومع القابض قابض، وإن طبخ بالسفرجل غذا البدن غذاء جيدًا‏.‏
وهو لطيف مائي يغذو غذاء رطبًا بلغميًا، وينفع المحرورين، ولا يلائم المبرودين، ومن الغالب عليهم البلغم، وماؤه يقطع العطش، ويذهب الصداع الحار إذا شرب أو غسل به الرأس، وهو ملين للبطن كيف استعمل، ولا يتداوى المحرورون بمثله، ولا أعجل منه نفعًا‏.‏
ومن منافعه‏:‏ أنه إذا لطخ بعجين، وشوي في الفرن أو التنور، واستخرج ماؤه وشرب ببعض الأشربة اللطيفة، سكن حرارة الحمى الملتهبة، وقطع العطش، وغذى غذاء حسنًا، وإذا شرب بترنجبين وسفرجل مربى أسهل صفراء محضة‏.‏ وإذا طبخ القرع، وشرب ماؤه بشيء من عسل، وشيء من نطرون، أحدر بلغمًا ومرة معًا، وإذا دق وعمل منه ضماد على اليافوخ، نفع من الأورام الحارة في الدماغ‏.‏ وإذا عصرت جرادته، وخلط ماؤها بدهن الورد، وقطر منها في الأذن، نفعت من الأورام الحارة، وجرادته نافعة من أورام العين الحارة، ومن النقرس الحار، وهو شديد النفع لأصحاب الأمزجة الحارة والمحمومين، ومتى صادف في المعدة خلطًا رديئًا، استحال إلى طبيعته، وفسد، وولد في البدن خلطًا رديئًا، ودفع مضرته بالخل والمري‏.‏
وبالجملة فهو من ألطف الأغذية، وأسرعها انفعالًا، ويذكر عن أنس، رضي الله عنه أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يكثر من أكله‏.‏
 

 

 
 

    عداد الزوار